ماذا سيكتب التاريخ عن معركة طوفان الأقصى؟

16 نوفمبر 2023
+ الخط -

لو سألنا: "ماذا سيكتب التاريخ عن معركة طوفان الأقصى التي لا يزال أوارها مشتعلاً؟". قد تختلف الإجابة من كاتب إلى آخر، استناداً إلى الجهة التي سينظر منها، وظروف الكتابة نفسها. ونحن نعرف أنّ التاريخ يكتبه المنتصرون، فكيف سيوثّق التاريخ معركةً كلّ طرف فيها يقول عن نفسه إنه ينتصر لمبادئه؛ الفلسطينيون ينتصرون لأرضهم التي يدافعون عن ميراثهم فيها، بل عن وجودهم الشخصي ذاته، والصهاينة يدافعون عن وجودهم (الطارئ) على أرض ليست لهم، بل اغتصبوها، ذات غفلة من العرب، وتواطؤ الدول الغربية؟

ما حدث في 7 أكتوبر الماضي كان أمراً فارقاً في مسيرة القضية الفلسطينية، لا أقول هذا بدعوى العاطفة، بل بدعوى آثارها في كلّ ما حولنا؛ فها هي إسرائيل تهاجم غزة بعنف ووحشية غير مسبوقين في كلّ جولات الصراع، وتُعيد الذاكرة إلى بدايات القضية الفلسطينية، وكأنّنا نعيش الأجواء التي حدثت عام 1948؛ إذ صارت غزة هذه الأيام دير ياسين أخرى.

أما المقاومة الفلسطينية، التي أشعلت الشرارة الأولى لهذه المعركة، فلم يفتّ عضدها كلّ هذه المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة، ولا هذا التواطؤ الغربي العلني مع الكيان المحتل، فلا تزال المقاومة تنفذ عملياتها العسكرية من إطلاق صواريخها إلى المدن المحتلة، والقيام بعمليات نوعية ضد جيش الاحتلال.

ماذا سيكتب التاريخ؟

سيكتب التاريخ أنّ ثلّة من رجال المقاومة استطاعوا أن يزلزلوا جيش احتلال دولة تدعمها عدّة دول عظمى، بما لم تستطعه كلّ جيوش الدول العربية مجتمعة منذ 75 عاماً، حتى إنّ محلّل الجزيرة الاستراتيجي، اللواء فايز الدويري، تساءل: كيف فات الجيوش العربية فرصة القضاء على إسرائيل طوال هذه الفترة وجيشها بكلّ هذا الضعف؟

سيكتب التاريخ أنّ أنظمة الغرب التي ظلّت تنادي بقيم إنسانية، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتعايش... سقطت في الامتحان، وأظنّهم يقصدون بحقوق الإنسان هنا، إنسانهم لا إنسان العرب. ها قد رأينا، خلال هذه المعركة، الأنظمة الغربية وهي تضرب بكلّ تلك القيم عرض الحائط، وراحت تقف مع الجلاد ضد الضحية، في تناقض لكلّ فلسفاتها التي صدّعت بها رؤوسنا منذ عصر التنوير، ولا تزال.

كأنّنا نعيش الأجواء التي حدثت عام 1948؛ إذ صارت غزة هذه الأيام دير ياسين أخرى

سيكتب التاريخ أنّ شعوب العالم عرفت أنّ ما يجري في غزة هو إبادة جماعية لأهلها، لذا خرجت مظاهراتها تجوب شوارع عواصمها، والعجيب في الأمر أنّ تلك المظاهرات مستمرة، وفيها تحدٍّ لأنظمتها التي تدعم الكيان المحتل بكلّ إصرار وصلف، وكذلك لم تؤثر في هذه المظاهرات السردية الصهيونية التي تملك كلّ منابر الإعلام في دولهم. في حين أنّ العرب، الذين من المفترض أنّ قضية فلسطين هي قضيتهم الأولى، لم يحرّكوا ساكناً، بل ظلّوا يتابعون ما يجري في غزة بكلّ تخاذل ووهن، وكأنهم يتابعون تصفيات كأس العالم في كرة القدم، وليس معركة مصيرية تهمهم، لو كانوا يعلمون!

سيكتب التاريخ أنّ "العميقين" من المثقبين العرب (أقصد المثقفين)، لا يزالون ينادون بالتعقّل، بل ويذهبون إلى حدّ القول إنّه يجب محاسبة حماس على ما قامت به في 7 أكتوبر الماضي، باعتباره "إرهاباً"، جنباً إلى جنب مع محاسبة الكيان المحتل على جرائمه! ثم يضيفون قائلين: من حق الفلسطينيين أن يقاوموا الاحتلال بالوسائل المشروعة والمدروسة، ولا أدري، هنا، ما هي هذه الوسائل المشروعة والمدروسة؟ فهل رأيتم مثل هذا الغش غشاً؟

يبدو أنّ الناس على دين ملوكهم، ومِن المثقفين، أو ممنْ يتسمون كذلك، على دين حكامهم! أمّا محور المقاومة، فلا يزال يقوم بأعمال أقل ما تُوصف أنّها خجولة، ولا ترقى إلى حجم الحدث على أرض غزة. 

ختاماً: سيكتب التاريخ أنّ معركة طوفان الأقصى فضحت كلّ ما حولنا؛ فضحت هذه الأمة المترهلة، وكشفت عن عوراتها المستترة، من حكامها إلى نخبها المنخورة، وعن دجل ما يُسمّى النظام العالمي، ولا تزال كلّ الأقنعة تتساقط مع استمرار اشتعال المعركة.

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري