ماذا فعلتِ بي يا أمستردام
ذات يوم، قابلنا أرسطو وسقراط في منزل ابن رشد. هناك أخبرني أفلاطون أنّ جوهر الجمال يكمن في مدينة التنوير، مدينة مليئة بالحياة. الجمال حيث لكلّ شيء روح، الشوارع والمباني والغابات والأشجار والأنهار والحقول لها أرواح. قال أرسطو إنّ الجمال هو مصدر السعادة والسعادة في مدينة أفلاطون المفعمة بالأرواح. ابتسم ابن رشد وقال: إنّ الجمال ليس غاية بذاته يا أصدقائي، بل وسيلة للوصول إلى سعادة الإنسان. أجبته: بالتأكيد تقصد أمستردام! قال ابن رشد: ودمشق أيضاً، في هاتين المدينتين، للأرواح ذكريات ولا تاريخ لها.
في أمستردام، قابلت السيد المسيح عليه السلام، فقال لي: كلانا مهاجر من الشرق. لم نلتقِ هناك، لكننا التقينا هنا. فقلت: تقابلنا هناك ذات مرّة، ليس في القدس ولا في دمشق لكن في مكة. ابتسم وقال: أنت محظوظ إذاً، لأنك شربت من زمزم مرتين، مرّة في مكة ومرّة في أمستردام.
في أمستردام زرت كل شبر من دمشق. هنا تنفست هواء القاهرة ومشيت في تاريخ أثينا. في أمستردام، هذه المدينة التي لا هوية لها سوى الجمال، التقيت بإسطنبول وتجوّلت روحي في طنجة. في أمستردام تبحث عن اللامعنى، لكنك تجد في كل شيء معنى. هنا كل شيء ترتبه الذاكرة. تروي لك الأرصفة ماضي هذه المدينة، وتكتب حاضرها وتبشر بمستقبلها. كل شيء له أجوبة هنا، لا يوجد شيء متروك للعبث. ذات مساء التقيت الفيلسوف الهولندي، إيراسموس، وسألته عن الله. فأجاب: إن لم تجد الله في قلبك، فلن تجده في المسجد ولا في الكنيسة ولا في أي مكان آخر... وعندما سألت الفيلسوف، بارخ سبينوزا، عن الله، أخبرني أنّ من لا يجد الله قلبه، فسيجده في الطبيعة التي خلقها حتى نتمتع بها. سألت سبينوزا مرّة أخرى، إذا كان يعرف ابن عربي. همس لي: "التقينا ذات يوم في مكان ما".
في أمستردام زرت كل شبر من دمشق. هنا تنفست هواء القاهرة ومشيت في تاريخ أثينا
ذات مساء، قالت لي أمستردام سنلتقي بالحكمة غداً. عندما التقينا بالسيد إيمانويل كانط، قال لي: الإنسان هو الهدف النهائي لهذا الوجود، ولا يمكن للإنسان أن يكون مجرّد وسيلة لتحقيق غاية. سألته كيف يمكن للإنسان أن يصبح غاية في حدّ ذاته. قال: بالعقل. كلّ ما عليكم فعله يا صديقي هو أن تكونوا حرّاساً مخلصين للعقل. عندها فقط سينتصر التنوير مرّة أخرى كما فعلها قبلاً.
ماذا تريد أيضاً يا صديقي؟ سأل السيد كانط. أجبته: أريدك أن تأتي معنا إلى زماننا. إنّ عصرنا الحالي مليء بالفوضى. نحن في أمس الحاجة إليك. ابتسم وقال: لا يا صديقي. إنّ الزمان مرتب كما هو حاله دوماً. فقط انظر إليه بعقلك وليس بإحساسك وسترى كم هو منتظم. طلبت منه نصيحة أخيرة. فقال: ارجع إلى عصركم ولا تسمحوا للذئب بأن يأكل ليلى.