ماذا لو كنتُ رسّاماً؟
لو كنتُ رسّامًا، لرسمتُ نفسي في ثلاث لوحاتٍ متتالية؛ في الأولى؛ تظهرُ فيها صورتي جاثيًا على رمالٍ في صحراء قاحلة، مغمضًا عينيّ من حرّ الشمس وحرّ الرمال الذي يحرقُ ركبتيَّ. وأرتدي ملابس رثّة وممزقة، تبدو عليها أعراضُ الشقاء واضحة.
وفي اللوحة الثانية؛ أقفُ في نفس المكان، فاغرًا عينيَّ، أنظرُ أمامي، فأجدُ ماءً، أفكّر بالوصول إليه؛ ليسدّ لي عطشي وحاجتي.
وفي اللوحة الثالثة؛ أكون قد وصلتُ إلى مكان الماء، وأدركتُ أنه ليسَ ماءً، إنّما سراب وهمي راودني، واستغلَّ حاجتي إليه فظلّ يراودني. هنا، تكون اللوحة متمثلة في كوني جاثيًا مرّة أخرى على ركبتيّ، أمسكُ بالرّمال في يديّ، وأنظرُ أمامي وغضبٌ جامحٌ في عينيّ نحو السراب، ولكنّي في الوقت ذاته أبكي.
تُرى من يصنعُ السّراب في حياتنا؟ أهو شخصٌ أنانيٌّ أم هو عقلنا الباطنيّ الذي يسمح للسراب بالظهور وفقًا لحاجتنا الماسّة إليه؟
من يصنعُ السّراب في حياتنا؟ أهو شخصٌ أنانيٌّ أم هو عقلنا الباطنيّ الذي يسمح للسراب بالظهور وفقًا لحاجتنا الماسّة إليه؟
في الواقع، قد يكون من يصنعُ السراب شخصًا أنانيًا من خارج دواخلنا، وقد يتمثّل بالمؤسسات التي تدّعي أنها قادرة على احتواء الآخرين من ناحية موهبة أو توظيف أو احتواء. أو قد يتمثّل باعترافٍ غريب بقدراتك كشخص له قدرات فعلية من قبل آخر، ليس لأنه يريد لك ما هو نافع، إنما لاستغلالك في أمورٍ أغلبها تلبي مصلحته الشخصية؛ كالاعتراف بك رسّامًا يبدع لوحات رائعة، والتقرّب إليك من هذا الباب، ثم إخراج ما هو رائع لديك لإمداده بما يحتاج، ربما إمداده بمشاعر لطيفة، أو بقرب حقيقي يشعر من خلاله بوجوده وبذاته. ثمّ، وبمجرّد تحقيق هذا، ينكرُ هويتك كلّها.
وقد يكون السراب صنعًا محليًا داخليًا، أي في المخيّلة، نابعًا من دواخل الشخص نفسه، كأن يرى ما يتمنى أن يرى، ويُصدّق ما يتمنى أن يحدث، فيحاكي أمنياته واقعيًا، فتصبح أمامه حقيقةً حسيّة، لا يستهانُ بحقيقة وجودها. وهذا أمرٌ أخطرُ من السراب الذي يأتي من الخارج؛ نظرًا لأنه يشكل تهديدًا داخليًا مباشرًا، قد يؤدّي إلى عدم تقبّل ما هو متاح، والركض المستمر نحو ما يُرى في المخيّلة؛ وفي هذا هلاكٌ للشخص، فالركض والرفض شيئان مرهقان على الإنسان.