ماكرون والإرهاب
بداية الأمر أن الرسول محمد "عليه الصلاة والسلام" لا يصيبه أي ضرر من أي رسوم مسيئة له، فهذه الرسوم هي تجسد شخصية متخيلة في عقل مؤلفها، وهي لا شك تستفزّ أتباع الرسالة المحمدية، وهم محقون في غضبهم، لأن الرسول محمد هو رمز مقدس لهم كما هو موسى وعيسى مقدّسان لدى أتباع اليهودية والمسيحية.
إن هذه الأعمال ليست لها علاقة بحرية الرأي والتعبير كونها تنم عن أذى يطاول الآخرين وهنا تقف الحرية. وهذه الأعمال مجرمة في القانون الدولي وحقوق الإنسان، فإذا كانت فرنسا تؤمن بالحرية المطلقة في التعبير فلماذا قامت بحظر جمعية بركة سيتي بدعوى أنها تحرض على الكراهية وتبرر للأعمال الإرهابية، أليست الرسوم المسيئة للمسلمين تحريض على الكراهية أيضاً!؟ أليس حل هذه الجمعية بدعوى التحريض وقرار الحكومة الفرنسية بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي لمراقبة أي منشورات أو تغريدات تحريضية هو منافٍ لمبدأ الحرية المطلقة التي يؤمن بها ماكرون!؟
على فرنسا أن تمشي مع معتقدها بالحرية المطلقة إلى النهاية ولا تقوم بحظر أي كيانات لمجرد التحريض على الكراهية، وإذا تم ارتكاب أي فعل مادي وسبب أذى نتيجة هذا التحريض فحينها تتم معاقبة مرتكب هذا الأذى المادي دون ربطه بفعل التحريض، وهنا سنكون أمام فوضى لا حدود لها.
عار على الرئيس الفرنسي أن يصف حادثة نيس "بإرهاب إسلاموي" على الأقل احتراما لمواطنيه المسلمين، فهذا وصف لا ينم عن إيمانه بحرية الرأي أو العدالة
إن الحادثة التي شهدتها مدينة نيس وحادثة قتل المدرس الفرنسي هما جرائم مروعة لا شك فيها، وهي صادرة من أشخاص بدوافع فردية شخصية حتى لو كانت هذه الدوافع الشخصية ردة فعل لنشر الرسوم المسيئة، وإذا استثنينا احتمال وجود يد مخابراتية في الحادثة، فهل من المنطق والعدل والحرية تجريم كل المسلمين، وخاصة المسلمين الفرنسيين، حينما وصفت فرنسا هذا الفعل بالإرهاب الإسلاموي!؟
أليس هذا الوصف هو وصف متعمّد لخلق أداة حرب لكل المسلمين!؟ هل ننسى حادثة قتل المسلمين في مسجدين في نيوزيلندا من قبل مسيحي متعصب، فهل تم توصيف الحادثة بالإرهاب المسيحي؟
إن تصريح السلطات الفرنسية هو تصريح رسمي ويمثل موقف دولة، وإذا كانت تحارب نشر الكراهية كما تدعي، فتبرير نشر الرسوم هو من الأعمال التي تشجع على الكراهية والعنف، وهي تمس مقدسات إحدى فئات الشعب الفرنسي خلافاً لمسلمي باقي الدول.
إن الإرهاب موجود عند جميع الطوائف، فتاريخ المسيحيين واليهود مليء بالجرائم التي تقشعّر لها الأبدان، إلا أنه لا يجب مطلقاً إلصاق هذه الجرائم بعموم أتباع الطائفة، فهل سمعنا تصريحات رسمية عن إرهاب مسيحي أو يهودي يدعو لمحاربة كل من هو منتمٍ لهذه الطائفة أو تلك؟
عارٌ على الرئيس الفرنسي أن يصف حادثة نيس بـ"إرهاب إسلاموي"، على الأقل احتراماً لمواطنيه المسلمين، فهذا وصف لا ينم عن إيمانه بحرية الرأي أو العدالة، فحرية الرأي هي أن يعتنق كل شخص الرأي والمعتقد الذي يعتقده، والعدالة هي ألا يوصف معتقد هذا الشخص بأنه "إرهابي" كون شخص آخر ينتمي لنفس معتقده ارتكب فعلاً مجرماً! فهل ينم هذا الوصف من رئيس فرنسا عن حرية وعدالة، أم هو أزمة نفسية فعلاً كما وصف ذلك الرئيس التركي!
للأسف كل هذا هو مزيد من الإيغال المتعمد في نشر الكراهية والعنصرية تجاه مختلف الطوائف واتباع الرسالات السماوية. إن أتباع هذه الطوائف والرسالات السماوية هم الخاسر الأكبر من جراء هذه الأفعال وهذه التصريحات المزيفة والتي تحمل مغالطات متعمدة، والصادرة من شخصيات رسمية وسياسية لخدمة أغراض سياسية دنيئة، وخلق فجوة بين أتباع الطوائف تعمق من الشرخ الاجتماعي العالمي وتحرض على عدم التعايش السلمي بين مختلف العقائد.