ما بعد رفح... حرب مفتوحة ضدّ لبنان أم؟
ماذا بعد رفح؟ ولماذا نُرجِّح أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي ستتوجّه إلى حربٍ مفتوحةٍ مع حزبِ الله في لبنان بعد رفح؟ وهل سيتزامن ذلك، أو يسبق، موافقة إسرائيل على ما بات يُعرف بصفقة بايدن في غزّة؟
لفهم أدق للواقع والمآلات، ينبغي استحضار الاستنتاجات الأوليّة التالية:
لا توجد أمام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شخصيًا وحزبيًا، وأيضًا داخل مكوّناتِ حكومته المتطرّفة جدًا، أيّة خيارات سوى الاستمرار في الحرب، سواء في غزّة أو في لبنان، لأنّه يُدرك تمامًا أنّه في حال انتهاء الحرب، تنتهي الذريعة التي يتذرّع بها حاليًا لرفضِ المطالبات القويّة جدًا له من المعارضة، بالتوجّه إلى انتخاباتٍ مبكرة. والأخطر بالنسبة له، يتمثّل في إصرارِ المعارضة على تشكيلِ لجنةِ تحقيقٍ رسميّة (قضائية) للتحقيق في الفشل الاستخباري والعملياتي (الأمني والعسكري) في هجوم 7 أكتوبر.
مُعظم نُخب وعوام إسرائيل، سواء من الائتلاف أو من المعارضة، يعتقدون أنّ حزب الله يشكّل تهديدًا وجوديًا، من قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتعزّز ذلك من بعده، ويعتقدون أنّ سيناريو تنفيذ حزب الله هجوماً مشابهاً لـ7 أكتوبر وارد جدًا، وأنّ الخسائر حينها ستكون أفدح من خسائر هجوم حركة حماس.
جميع مكوّنات ائتلاف نتنياهو مُجمِعة على أنّ هناك ضرورة لإلغاء تهديد حزب الله، وبالتالي لا يمكن لنتنياهو أن يخسر أيّ مكوّنٍ من ائتلافه الحكومي الحالي لإرضاء الأميركان بعدم فتح جبهة الشمال.
يعتقد الإسرائيليون أنّ سيناريو تنفيذ حزب الله هجوم مشابه لـ 7 أكتوبر وارد جدًا، وأنّ الخسائر حينها، ستكون أفدح من خسائر هجوم حركة حماس
وعلى الرغم من كثرةِ التحدّيات التي تُواجه ائتلاف نتنياهو الحكومي، من المستبعد جدًا أن يقوم أيّ مكوّنٍ من مكوّناته بالانسحاب منه والتسبّب في إسقاط الحكومة. فحتى المناكف له، وزير الدفاع يوآف غالانت، يُستبعد أن يفعلها، لأنّ من ينسحب سيُوصم بالخائن من قبل جمهور اليمين، وسيُحمَّل سبب انفراط عقد أكثر حكومة يمينية في تاريخ الدولة العبرية، وبأنّه تطوّع لتحقيق ما تتمناه المعارضة التي يتهمونها باليسارية، وهو نعت مضلّل بطبيعة الحال، لأن معظمها يميني مثل بني غانتس وغادي أيزنكوت، ومنها يميني متطرّف مثل أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر، وهذا ما يفسّر استمرار انقيادِهم الأعمى للأجندات الشخصية والحزبية للساحر نتنياهو، وأبرزها أجندته الشخصية، المتمثّلة في سنِّ قوانين تُنقذه من الملفات الجنائية ضدّه.
ولا يُتوقع في هذا الصدد أن تمارس إدارة بايدن (أو بالأحرى إدارة بلينكين وكيربي) أيّة ضغوط حقيقية على إسرائيل للموافقة على صفقة في قطاع غزّة، تمكنها من منع حرب مفتوحة في لبنان، فلقد ثبت تمامًا أنّها إدارة مشلولة للغاية أمام صلف وعجرفة ووقاحة نتنياهو وأعضاء حكومته، والمستغرب أنّ الشلل مستمر حتى مع الإضرار الإسرائيلي بالمصالح الأميركية، والتعارض مع استراتيجياتها، والأنكى؛ الإضرار بها في الانتخابات الأميركية الوشيكة، وتدرك الإدارة الأميركية جيدًا أنّ نتنياهو لا يكترث لتحذيراتها حول احتمال توسّع الحرب في غزّة إلى حربٍ إقليمية، ستكون بمثابة نجاح لمخطّط نتنياهو القديم الجديد الذي يسعى إلى جرّ الأميركيين وتوريطهم بالدخول في حربٍ مباشرة مع إيران، سواء بمشاركةٍ من إسرائيل أو حتى بالوكالة عنها، ويصرّ نتنياهو اليوم على مخططه، ويعتبر أنّ إيران هي أصل المشكلة، وطالما وصفها بأنها رأس الأفعى.
أثبتت التجربة لإيران أنّ ما يمكن لحلفائها إنجازه ضدّ إسرائيل، أكبر وأنجع بكثير مما أنجزته هي بنفسها
ومن غير المحتمل أن يقوم حزب الله، أو الحوثيون، بوقف أو حتى تخفيض مستوى نيرانهم الحالية على إسرائيل التي تندرج حالياً تحت عنوان مساندة لغزّة، قبل أن يتم التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، الذي لا يمكن له أن يتحقّق من دون عقد صفقة تُوافق عليها المقاومة الفلسطينية، وهذا يسقط في يد إسرائيل، وبالتالي يزيد من إصرارها على شن حربٍ مفتوحة لإزالة تهديد حزب الله.
لا تستطيع حماس والمقاومة الفلسطينية أن توافق على صفقةٍ لا تتضمّن الحدّ الأدنى من الشروط الضرورية التي لا يمكن التخلّي عنها، وبالتالي ستستمر الجبهات الأخرى في الإسنادِ بالاستمرار في مهاجمةِ إسرائيل. ولا يُتوقّع (لأسبابٍ عديدة) أن يبادر حزب الله لرفع مستوى المواجهة الحالية مع إسرائيل بشكلٍ دراماتيكي، ولكنه قد يستغل تجاوزات إسرائيل للخطوط الحالية لرفع المستوى بشكلٍ مؤقت.
ومن المنطقي جدًا توقّع قيام إيران (وبعد دراسة تجربة هجومها المباشر على إسرائيل) بمضاعفة دعمها مكوّنات محور المقاومة، حيث أثبتت لها تلك التجربة أنّ ما يمكن لحلفائها إنجازه، هو أكبر وأنجع بكثير مما أنجزته هي بنفسها، أو مما يمكنها إنجازه مستقبلًا؛ بمعنى أنّ إنجاز الوكيل أنجع بكثير من إنجازِ الأصيل.
هناك احتمالات أخرى ضعيفة، لكنها ليست مستبعدة نهائيا، كأن تقوم روسيا (الصين مستبعدة في هذا السياق) بتنفيذ تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتزويد المناوئين للأميركيين (ينطبق على الحوثيين) بأسلحةٍ نوعية، تمكنهم من تشكيل تهديد لحاملات الطائرات والمدمرات الأميركية.
لا يكترث نتنياهو للتخوّفات الأميركية المتمحورة حول مسألة أنّ شن إسرائيل حرب مفتوحة على حزب الله قد تتطوّر إلى حربٍ إقليمية
وعلى ذلك، يمكن الوصول إلى عدد من الاستنتاجات النهائية:
(1): هناك احتمالات مرتفعة بأن تقوم إسرائيل بنقل الحرب من جبهةِ قطاع غزّة إلى جبهة لبنان، مباشرة بعد إعلان انتهائهم من المعركة البريّة (المناورة) في رفح، وليس بعد أشهر أو سنوات.
(2): في حال قرّرت إسرائيل نقل الحرب من غزّة إلى لبنان، فسترتفع احتمالات عقد صفقة مع غزّة، ومن المحتمل أن يقوم نتنياهو وحكومته (وكالعادة بابتزاز الإدارة الأميركية) باشتراط موافقتهم على الصفقة بالحصول على شحناتٍ كبيرة جدًا من الأسلحة الأميركية، خصوصًا شحنات على غرار الشحنة التي تؤجلها حاليًا الإدارة الأميركية، وهي شحنة من 6500 قنبلة من مجموعة JDAM المتطوّرة، والخارقة للتحصينات، والضرورية جدًا (من وجهة نظر إسرائيل) للمرحلة الأولى (مرحلة الأرض المحروقة وتسطيح المباني) خلال شن حرب مفتوحة محتملة على لبنان.
(3): لا يكترث نتنياهو للتخوفات الأميركية المتمحورة حول مسألة أنّ شن إسرائيل حرباً مفتوحة على حزب الله قد تتطوّر إلى حربٍ إقليمية ستجبرُ الأميركيين على الدخول مع إسرائيل في حربٍ ضدّ إيران، التي من المتوقع أن تضطر للتدخل لصالح حزب الله عند نقطةٍ ما من تلك الحرب، إذا تحوّلت إلى تهديدٍ وجوديٍ، حيث من المتوقّع أنّها ستكون حرباً شرسة جدًا، كونها ستصبح حرباً وجودية بالنسبة للطرفين، وكما وصفها توماس فريدمان، في مقابلة له مع قناة الجزيرة، بأنّها ستكون حرب عام 47 بأسلحة عام 2024.