"مجلس الإدارة".. ربّما تنقصه الإدارة
طرحت شركة أمازون على منصتها "برايم فيديو"، عدّة مسلسلات عربية في الفترة السابقة، واتسمت رغم قلّتها، بتنوّعها الدرامي واستهدافها لفئات عمرية مختلفة. كمسلسل "لعبة بنات" الذي استهدف الفئة العمرية الشابة أو المراهقة في إطار إثارة وغموض، ومسلسل "الجولة الأخيرة" لأحمد السقا من إنتاج الصبّاح، وفيلم "البطة الصفرا" والقليل غيرها. ما لبثت أن تراجعت "برايم فيديو" عن خططها في المنطقة، وأعلنت توّقفها عن الاستثمار في أيّ إنتاجات جديدة للتركيز على القطاع الأوروبي الأكثر تأثيراً ونجاحاً على المدى الطويل على حدّ تعبير نائب الرئيس والمدير العام لمنطقة أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.
من بين هذه الإنتاجات العديدة وقع اختياري على مسلسل واحد لمتابعته وهو "The board". يمكن توصيف المسلسل كدراما اقتصادية تحكي عن كواليس الشركات الكبرى والحروب التي تدار في مجالس إدارتها، محاكياً برأيي المسلسلات التي تعالج كواليس أيّ سلطة سياسية. وهو لا شك طرح ممتع ولاقى نجاحاً كبيراً في الدراما العالمية كمسلسل "هاوس أوف كاردس" أو "بيليونز" أو حتى "حريم السلطان" التركي.
أعتقد أنّ الهفوة الرئيسية التي وقع فيها المسلسل هي النقل الحرفي؛ لا أعترض أبداً على فكرة نقل المفاهيم العالمية إلى الدراما المحلية، ولكنني أعترض على طريقة النقل دون مراعاة خصوصية المكان. وضمن مجتمعات معتادة على شركات "شيخ الكار" والمدير الواحد، قد تبدو فكرة مجلس الإدارة غريبة وغير مألوفة، حيث المجتمعات العربية تتعرّف حديثاً على أنماط الإدارة الجديدة. كنت أتمنى أن أرى تمهيداً لهذا المفهوم قبل طرحه موضوعاً رئيسياً، إذ كان يمكن لإضافة جانب توضيحي أو دخول حقيقي في آليات الإدارة، أن يساهم في فهم بعض جوانب عالم الأعمال، بالإضافة إلى الاستمتاع بالدراما والحروب وحياكة المؤامرات.
بالإضافة إلى الفكرة أو الموضوع، أتطلّع أن يرضي المسلسل الذي أشاهده ثلاثة مطالب أساسية أو أحدها على الأقل. أولاً، قوة الحوار. ثانياً، عمق الشخصيات وتعقيداتها. ثالثاً، الحدث أو الأحداث الدرامية بحد ذاتها. للأسف لم يُشبع العمل هذا الطموح على أي مستوى، فقد اتسمت جميعها بالغموض بالنسبة إليّ، إذ طُرحت بطريقة سطحية، وكأنّ العمل أُنجز على عجل، وأنا كمشاهدة بالكاد استطعت تمييز الخط الرئيسي للعمل من الخطوط الفرعية بحكم أنّ الحبكة لم تكن واضحة أيضاً.
الهفوة الرئيسية التي وقع فيها المسلسل هي النقل الحرفي
هذا النوع الجديد من الدراما بدا غريباً حتى على الممثلين الذين شاركوا في إخراجه إلى النور، وهذا ما كان ليختلف كثيراً لو وقع خيار المخرج على ممثلين آخرين. ليس بسبب ضعف أداء الممثلين، بل على العكس تماماً، فأسماء كسلوم حداد وباسم ياخور وندين تحسين بك ونادين تشكل وحدها دافعاً لمتابعة المسلسل. إلا أنّني أرى أنّ العمل كان بحاجة لأسماء اتسمت بالتنوّع على مستوى التجارب الإنتاجية وليس الأدائية. كما كان من الممكن الاستفادة من مواهب مصرية مهمة أصبحت تحجز مكانةً قويةً كممثلين رئيسين أو ثانويين، لأنّ التنوّع هنا كان مبرّراً جدّاً، وقد تمّ إشراك مواهب خليجية، فكان ليبدو الحضور المصري منطقياً ومغنياً للمسلسل.
لصناعة دراما عربية مميّزة لا بد من التشبّث بقيمة العمل ورؤيته، لا بأشخاص وأساليب عمل معينة، وإلا سيتحوّل العمل إلى محتوى عابر دون بصمة لدى المشاهدين.
على الرغم من بعض الهفوات التي واجهها المسلسل، إلا أنّه كان خطوة جريئة نحو استكشاف أنواع جديدة من الدراما في المنطقة. ربّما كان من الممكن التحلّي بالمزيد من المسؤولية في المعالجة، ومع وجود مواهب عربية مميّزة، وكان بالإمكان تحقيق مزيد من التنوّع والتجديد في الإنتاج العربي.
يظل السؤال الآن هو ما إذا كانت شركة أمازون برايم ستعيد التفكير في استراتيجيتها للسوق العربي في المستقبل، أم ستستمر في التركيز على القطاع الأوروبي. ربّما ستكتشف برايم مع الوقت الفرص الكبيرة الكامنة في حاجة المنطقة للإنتاجات الطموحة والجديدة، لكن المدروسة، لتلائم الثقافة المحلية.