منظمة التحرير ضرورة لمنع الاحتراب وإنهاء الانقسام
في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، وأخرى شبيهة بها تجري بضوضاء أقل في الضفة الغربية التي تواجه الاستيطان والضم، تنحرف البندقية الفلسطينية أو تكاد لتوجه إلى صدور فلسطينيين، فلم يُخيّل لفلسطيني يتابع ما تقوم به آلة القتل الإسرائيلية في غزة من جرائم حرب وإبادة، لا يخيل له أن يقرأ أو يسمع عن اقتتال فلسطيني فلسطيني يسقط فيه ضحايا، يحدث هذا ليؤشر على القاع التي هوت بنا إليها جميعًا أوسلو، والتزامات أوسلو، ولعنات أوسلو.
وحريٌّ بنا الفصل بين قوى المقاومة الفلسطينية وحركات التحرر بمختلف أطيافها الوطنية والإسلامية واليسارية، وبين السلطة التي باتت تحاكي شكل الرسمية العربية المرتهنة لالتزامات أمنية ودولية. فحركات التحرر الوطني الفلسطينية، فتح وحماس والجبهتان والجهاد وكل القائمة الوطنية، حركات تحرر وطني تهدف بكل أطيافها إلى مواجهة الاحتلال ودحره، وليس الاقتتال الأهلي، ويرمي النضال الفلسطيني بكل أشكاله إلى إنهاء نظام الفصل العنصري، لا العمل ضمن سقوف يضعها الاحتلال، فحالة التيه الوطني القائمة هي جرّاء اختطاف القرار الوطني الفلسطيني منذ اختطاف السلطة لمنظمة التحرير الفلسطينية عقب أوسلو الذي انتهى تمامًا باستثناء الالتزامات الأمنية التي تفسر هذا الانحراف القائم.
نستدعي في هذه المقالة منظمة التحرير والحاجة لتحريرها من السلطة أولًا، في سياق تقديم وصفات وطنية جامعة وملحّة يحتاجها الفلسطينيون الذين تُركوا وحيدين بمواجهة أعتى هجمة صهيونية منذ النكبة. فالقضية الفلسطينية، رغم وجود عناوين عديدة لها، لا يوجد لها مرجعية فلسطينية عليا، الأمر الذي يجعل السلطة تضل الطريق في تلبّسها لفكرة دولة متخيّلة ومطاردتها للمقاومين الفلسطينيين في مسار بالغ الخطورة، وفي لحظة يحتاج الفلسطينيون فيها لكل رصاصة وكل كلمة وكل معنى وطني للتصدي للتطهير العرقي الذي يتعرضون له، بمعاكسة ذلك تضل السلطة الطريق بمحاولتها تقديم أوراق اعتماد إلى حكومة "سموتريش – بن غفير" المتطرفة، ومن خلفها ترامب القادم مجددًا لاستكمال مهمته غير المقدسة في تصفية القضية الفلسطينية وشرعنة ضمّ ما تبقى من الضفة المحتلة، فعوضًا عن تجريم الدم الفلسطيني الفلسطيني، تنجرّ السلطة لمسار بالغ الخطورة يقود لاحتراب أهلي لا يصب إلا في مصلحة الاحتلال، ويسهل مهمته في استكمال ضم الضفة بحجة أن ثمة حربًا أهلية فلسطينية، ولاحقًا ربما انهيارًا للسلطة، وكذلك فإن هذه الجرأة على الدم الفلسطيني في ظل حرب إبادة، تُخرج كل من يتورط فيها من الصف الوطني، وتحوله بشكل مقصود أو غير مقصود إلى طرف مساند لآلة الحرب الإسرائيلية.
إن ما يجري في جنين مثال على ضرورة انعقاد مؤتمر وطني عاجل وطارئ لمناقشة الحالة الفلسطينية الراهنة، والبدء بخطوات وطنية عاجلة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وهو المسار الذي تداعت له شخصيات فلسطينية وطنية مستقلة ومن الفصائل كافة، وأطلقت لأجله نداءً لإعادة بناء منظمة التحرير، وستنظم تلك الشخصيات مؤتمرًا وطنيًا فلسطينيًا في منتصف فبراير القادم، تلك الشخصيات وغيرها ناشدت وتناشد العقلاء أو من تبقى منهم في السلطة وقف ذلك الاقتتال والمسار بالغ الخطورة، فدم الفلسطيني كله على الفلسطيني حرام، وحرام بل عار أن يقتل بعضنا بعضًا في ظل قتل إسرائيل لنا جميعًا، عار أن نتفرق وإسرائيل لا تتوحد إلا على إبادتنا.
لقد سطّر صمود الشعب الفلسطيني في غزة ومقاومته أسطورة غيّرت العالم، وفاز الفلسطينيون في معركة الرواية بأثمان باهظة جباها الاحتلال من دمائهم وأشلاء أطفالهم، وإن الوفاء لهذه الدماء يكون ببناء مشروع وطني للتحرير، وليس للتبرير للمحتل، وإن الاعتقاد بأن القيام بواجبات أمنية يطلبها الاحتلال يعزز شرعية السلطة، افتراض خاطئ، فالشرعية تأتي من الشعب الفلسطيني ومن الالتحام بإجماعه الوطني حول التحرر والانعتاق من الاحتلال، أما الانحراف عن هذا المسار فسيقود السلطة وأي طرف يتورط في ذلك إلى فقدان الشرعية، وأول من سيجهز على السلطة هو الاحتلال نفسه الذي لا يميز في استهداف الكينونة الفلسطينية بين فلسطيني وآخر.
لقد أقرّ الكنيست بإجماع الموالاة والمعارضة بأغلبية ساحقة قرارًا يمنع ويجرّم قيام دولة فلسطينية، فكيف تقنع السلطة نفسها بأن المسار الذي تتمسك به سيقود إلى دولة؟ وكيف ستقنع الشعب الفلسطيني بأن "مقاومة مقاومته" مشروع فلسطيني وطني؟ وكيف ستقنع كوادرها أنفسهم بذلك، والحقيقة أن كثيرًا منهم يرفض المشاركة في هذه المعركة اللاوطنية؟ وماذا سيكتب المؤرخون عن هذه المرحلة التي قتلت فيها إسرائيل 46 ألفًا حتى كتابة المقال، وجرحت قرابة 120 ألفًا وبترت أطراف أطفال ونساء وشباب وشيوخ، ويتّمت عشرات الآلاف؟ ماذا سيكتب التاريخ، وكيف سيصف ما تمارسه في جنين وما قبل جنين؟
وفي ظل الحالة الموصوفة في المقالة، نذكّر بأن المادة (7-أ)، من النظام الأساسي لمنظمة التحرير تنص على أن المجلس الوطني الفلسطيني هو "السلطة العليا لمنظمة التحرير، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها"، ويجب انتخاب مجلس جديد الآن وفورًا وإعادة بناء منظمة التحرير باعتبارها المرجعية العليا للشعب الفلسطيني، إذا قال أحدهم: ليس وقته، نسأل: ومتى وقته إذًا؟