من الكونغو إلى فلسطين.. المجازر تتشابه
في النظر إلى التاريخ الإنساني، نجد أن سلسلة المجازر والاضطهادات التي مورست ضد الشعوب المحتلة تشكل خيطاً مشتركاً يجري عبر العصور والحضارات، مخلفةً وراءها حكايات مأساوية من الألم والدمار. هذه المآسي، بقدر ما تختلف في تفاصيلها، تتشابه في جوهرها حيث تكشف عن جبروت المحتلين وانتهاكهم الفاضح لحقوق الإنسان وتعنتهم، مدفوعين بإيمان راسخ بأحقيتهم في الأرض التي يغزونها، مستندين إلى قوتهم العسكرية ودعمهم من دول أخرى ذات تاريخ استعماري مشابه. على الجانب الآخر، تخلق هذه العنجهية شعوباً متشابهة في حبها للحرية وممارستها لكل أشكال المقاومة في سبيل تحقيق الحرية الكاملة التي جُبِل عليها الإنسان منذ بداية الخليقة.
إن الاحتلال الإسرائيلي اليوم يقدم مثالاً صارخاً على هذه الظاهرة، فرغم المجازر التي وقعت في القرى الفلسطينية منذ عام 1948 حتى اليوم، الذي نشهد فيه عدوانها على قطاع غزة المستمر منذ 6 أشهر تقريباً، ما زالت يد إسرائيل تبطش بيد من حديد، متجاهلةً كل القوانين والأعراف الدولية التي تُدين الاستيلاء على أراضي الغير وتهجير شعوبها بالقوة.
المجازر في فلسطين، من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا، وصولاً إلى العدوان المستمر على غزة والانتهاكات في الضفة الغربية والقدس، تعد شهادات حية على الوحشية التي يمكن أن تصل إليها الأيديولوجيات المتطرفة والسعي المحموم نحو التوسع الأرضي. تُظهر هذه الأحداث كيف يُمكن للسلطة المدعومة بالقوة العسكرية والتأييد الدولي أن تُبرر الاستيلاء على الأراضي وتهجير سكانها، متناسيةً أبسط مبادئ العدالة والإنسانية.
ليست فلسطين وحدها من تعاني جبروت الاحتلال وتعنته؛ فالتاريخ الإنساني مليء بأمثلة مشابهة في أفريقيا، آسيا، وأمريكا اللاتينية، حيث مارست القوى الاستعمارية سيطرتها القاسية على الشعوب الأصلية، مبررةً أفعالها بالحضارة والتنمية. من الكونغو البلجيكية، حيث قُتل الملايين وتعرضوا للتعذيب والاستغلال الشديد، إلى الهند التي شهدت تقسيمها والعنف الطائفي الذي أعقب ذلك، تتكرر قصص الجبروت والمعاناة.
يجب أن ندرك أن جذور هذه المشكلات تكمن في فكرة السيطرة والتفوق التي تغذيها الأيديولوجيات المتطرفة والطموحات الإمبريالية. هذا النمط من التفكير لا يؤدي إلا إلى المزيد من العنف والمعاناة، متجاهلاً القيم والحقوق الأساسية كالحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
الشعوب التي عانت الاحتلال والاستعمار لم تكتفِ بالبكاء على الأطلال، بل قاومت بكل ما أوتيت من قوة، مستخدمةً كل الوسائل المتاحة لها من أجل استعادة حريتها وكرامتها
من هنا، تبرز أهمية المقاومة والنضال من أجل الحرية والعدالة. الشعوب التي عانت الاحتلال والاستعمار لم تكتفِ بالبكاء على الأطلال، بل قاومت بكل ما أوتيت من قوة، مستخدمةً كل الوسائل المتاحة لها من أجل استعادة حريتها وكرامتها. هذا النضال، الذي يعبر عن الإرادة الإنسانية العميقة للعيش بحرية وكرامة، يُذكرنا بأن العدالة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الاعتراف بحقوق الآخرين والعمل من أجل مستقبل يسوده العدل والمساواة للجميع.
الدروس المستفادة من التاريخ يجب أن تقودنا إلى فهم أعمق لضرورة العمل من أجل عالم يحترم فيه حقوق الإنسان وتُحترم فيه السيادة والحق في تقرير المصير. إن الطريق نحو السلام والعدالة يتطلب منا جميعاً الوقوف في وجه الظلم والاعتراف بأن حرية الآخرين هي جزء لا يتجزأ من حريتنا.
المجرمون في هذه المواقف، سواء كانوا قادة عسكريين، مستعمرين، أو سياسيين، يشتركون في خصائص معينة تتجاوز مجرد استخدام القوة. هناك أيضاً طموح شخصي غير محدود، رغبة في السلطة والتحكم، وغالباً ما يكون هناك ازدراء واضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان. هذه الصفات، عندما تُمارَس داخل إطار العمليات العسكرية أو الاستعمارية، تؤدي إلى تأثيرات مدمرة على المجتمعات والثقافات والبيئات.
المثير للتأمل هو أن الدروس المستفادة من هذه الأحداث تبدو غالباً متجاهلة في السياقات السياسية المعاصرة. يُظهر التاريخ أن المجازر والاضطهاد لا يؤديان إلى سلام أو إلى تحقيق العدالة أو إلى انتصار المُحتل، بل يولدان دوامة من مستمرة من المقاومة وكراهية المحتل التي تستمر لأجيال حتى تتحقق الحرية التي يصبو إليها أهلها.
من الضروري النظر إلى هذه الأحداث ليس فقط باعتبارها دراسات حالة في الظلم الإنساني، بل باعتبارها تذكيراً بالحاجة إلى البحث عن حلول عادلة ومستدامة للنزاعات. يجب أن تقوم هذه الحلول على الاعتراف بحقوق جميع الأطراف والسعي نحو إنهاء جميع أشكال الاحتلال، بدلاً من الاعتماد على القوة والدعم الأجنبي بوصفها وسائل لتحقيق الأهداف السياسية.
يمكن القول إن المجازر والفظائع التي ارتكبت ضد الشعوب المحتلة تعكس أسوأ ما في الطبيعة الإنسانية. إن الدروس المستفادة من هذه الأحداث يجب أن تحثنا على العمل من أجل مستقبل يحترم فيه حقوق الإنسان والكرامة لجميع الشعوب، بغض النظر عن قوتهم العسكرية أو دعمهم الدولي.