من المسؤول عن ضحايا الكوارث الطبيعية؟
مع كل كارثة تحلّ علينا في العالم العربي المنكوب، يسارع أغلب الناس، حكاماً ومحكومين، إلى "لوم" القدر، أو الاتجاه "صبراً" نحو الاستسلام والرضا بالابتلاء، أو يقول آخرون فاقدون للحد الأدنى من الدماء إنّ هذا انتقام بسبب الذنوب والمعاصي.
قد أتفهم -ولا أقبل- كل هذا، لكن ما لا أستطيع استساغته إطلاقاً، تناسي المحكومين لفساد حكامهم الذي هو المسؤول الأول في أقل التقديرات عن ارتفاع أعداد الضحايا، وأن يتناسى الحكام مسؤولياتهم تجاه شعوبهم المنكوبة، وكأنهم من كوكب آخر.
لن أتحدث هنا عن بلد بعينه، لأنه للأسف هذا حال بلادنا جميعها تقريباً ومن قديم الأزل، تحدث الكارثة والمصيبة، ولا يحدث أي تغيير في المنظومة، ومع كل كارثة يتفاجأ الجميع، وكأنها أول مرة تحدث، أنا أتحدث هنا بشكل عام وعن الجميع، فكلنا غارقون في الوحل الفاسد نفسه.
فماذا لو كان المسؤول في بلادنا المنكوبة قد قرر في لحظة تاريخية أن يهتم بالبنية التحتية كما يهتم ببناء السجون؟ ماذا لو كان الحاكم يهتم بتكنولوجيا اكتشاف الكوارث أو توقعها قبل حدوثها كما يهتم باستجلاب أحدث إنتاجات التجسس والتعذيب؟ ماذا لو كانت المليارات المصروفة من أجل شراء الأسلحة قد وجه نصفها على الأقل من أجل إيجاد مساكن كريمة للناس؟ ماذا لو أهتم برخاء شعبه وتحسين معيشته كما يهتم بتوريث حكمه؟
هذه الأسئلة وأخرى غيرها كثيرة، مهمة لكل ذي عقل، حتى نستطيع أن نقبل بعد التفهم فكرة القدر والاستسلام والابتلاء والذنوب، إلخ. وفكر قليلاً كيف استفاد العالم الآخر من شرقه إلى غربه من التطور في مواجهة الكوارث. وإذا وجدت إجابة غير الفساد، فلا تكمل القراءة.
بلادنا يحكمها الخراب والفساد والقمع، وحكامنا لا يشغلهم سوى البقاء في أماكنهم، ليس لديهم دولة، بل لديهم قصور وأجهزة أمنية، وهذا ما يهتمون به بكل "ضمير". انظر إلى أي كارثة تصيب بلادنا، واسأل نفسك: أين يحل الدمار؟ هل رأيت قصراً من قصور الملك والحكم تحطم؟ هل رأيت مقراً أمنياً مهماً خرب؟ ثم اسأل أيضاً حتى لو أصاب أحد هذه القصور أو المقارّ -لا قدّر الله- شيىء، هل سيبيت سكانها في الشارع بالخيام أو ملتحفي السماء؟
بلادنا يحكمها الخراب والفساد والقمع، وحكامنا لا يشغلهم سوا البقاء في أماكنهم، ليس لديهم دولة، إنما لديهم قصور وأجهزة أمنية
هذا هو المعيار والحد الأدنى للنظر للأمور. حاسب حاكمك قبل أن تحاسب الله والقدر والسماء والغضب. اسأل حاكمك عن المباني والسدود والبنية التحتية وتكنولوجيا الاكتشاف والتوقع قبل أن تقول أو يخدعك رجل دين بكلام عن الله والمقدور. اسأل حاكمك أين عربات الإسعاف لإنقاذ المصابين وعن النسبة بينها وبين عربات الأمن التي تنتشر بكثافة عندما يحتج الناس.
حاسب الفساد والمحسوبية أولاً، فلا يوجد مسؤول واحد قدم استقالاته أو قرر تحمّل المسؤولية ناحية أي شيء، وكأن أرواح الناس التي انتقلت إلى الله تشكو الفساد ليست مهمة. حسناً، قد يقول قائل: لا تعمم لأنه ربما وُجد من لديه ضمير، وقد يستقيل، حسناً يا عزيزي لن أعمّم، وسأحتفي بكل مستقيل ومتحمّل للمسؤولية. لكن أود أن أسألك: متى سيتحول هذا الفعل النادر إلى فعل عام لا يدعو إلى الاحتفاء؟ عندما تجاوبني عن ذلك، حينها لن أعمّم.
فمشاهد شعوبنا المفزوعة المنقولة إلينا عبر الفضائيات ووسائل التواصل لن يهونها إلا محاسبة كل المسؤولين من أصغر رأس إلى أكبر رأس في أي سلطة حاكمة، فلا يجب أن يذهب آلاف الضحايا إلى مصيرهم المؤلم، ويذهب المسؤول إلى كرسيه مطمئنا إلى استمراريته في مكانه.
خالص العزاء والمواساة لشعوبنا الموجوعة كلها، ورحم الله الموتى، وعجّل بشفاء المصابين، وخفّف الكرب والصدمة عن شعوبنا المكلومة، وأنزل السكينة عليهم، وحمداً لله على سلامة الناجين.