من تاريخ الغباء والتناحة
جرت أحداث هذه القصة في قديم الزمان، في حارة منقسمة إلى حارتين، شرقية وغربية.
كان ثمة انتخابات للمجلس النيابي، وقد رشح الأستاذ إبراهيم، وهو ليس محسوباً على أي من الحارتين، نفسَهُ لعضوية المجلس، وهو يعلم أنه سيحصل على أصوات الناخبين من الحارتين، لأنه ليس داخلاً في أية تكتلات عائلية.
وحينما ذهب لزيارة زعيم الحارة الغربية، استقبلوه بحفاوة، وحلفوا عليه أن يتناول الطعام، ثم القهوة المرة، ثم أجلسوه في صدر المضافة، وقال له الزعيم:
- غرضك عندنا مقضي بعون الله. خير يا أستاذ؟
قال إبراهيم: أريد أصواتكم، أنتم يا أهل الحارة الغربية الكرام.
فقال له الزعيم: هذا أقل من الواجب، سنعطيك أصواتنا إن شاء الله، كاملة، غير منقوصة، ولن نضع في الورقة الانتخابية اسماً آخر مع اسمك، يعني سنعطيك أوراقاً بيضاء، ولكنني أريد أن أسألك سؤالاً محدداً: هل سينتخبك أهالي الحارة الشرقية أم لا؟
قال إبراهيم: طبعاً سينتخبونني.
فقال له الزعيم: إذن، يفتح الله!
دهش إبراهيم وقال للزعيم: عجيبة! هل عندك مانع من أن ينتخبني أهالي الحارة الشرقية؟
فقال الزعيم: لا لا لا، أنت فهمتني بالغلط يا أستاذ إبراهيم. أنا لا أمانع في أن ينتخبك أهالي الحارة الشرقية، ولكنني لا أرضى على نفسي وعلى جماعتي أن تلتقي أوراقنا الانتخابية مع أوراقهم الانتخابية ضمن صندوق واحد!
ذهب ابراهيم إلى زعيم الحارة الشرقية، حزيناً، ساخطاً، وروى له تفاصيل ما جرى معه والموقف المتعنت الذي وجده من زعيم الغربية.
فقال زعيم الشرقية: والله ونحن أيضاً لا يشرفنا أن تلتقي أوراقهم بأوراقنا داخل صندوق واحد. ولكن.. أنا عندي حل.
قال إبراهيم متلهفاً: أسعفني به.
قال الزعيم: ليذهب هو وجماعته إلى البلدة المجاورة لبلدتنا، ويدلوا بأصواتهم لصالحك هناك.
فرح إبراهيم بالحل، وعاد من توه إلى مضافة زعيم الحارة الغربية، وعرض عليه الحل، فضحك وقال:
- نحن نذهب إلى البلدة الفلانية؟ كأن الشرقيين لا يعرفون من نكون نحن. اذهب إليهم واطلب منهم أن ينتخبوا هم في البلدة المجاورة. والمثل يقول يا أستاذ: الحجر في مطرحه قنطار.
بقي الأستاذ إبراهيم يتنقل بين الحارتين ويعرض مقترحات كل فريق على الفريق الآخر حوالي عشرة أيام.. ثم سحب ترشيحه وسجل الواقعة في دفتر مذكراته.