نساء فلسطين وغزّة ويوم المرأة العالمي
هناك ركنٌ صغير من العالم يتحوّل إلى نقطةٍ عمياء في خضّم الاحتفالات العالمية بمناسبة ذكرى يوم المرأة العالمي، حيث يظل مصير المرأة قاتماً، وتبقى حقوقها منتهكة بشكل صارخ، وبأقسى الطرق التي يمكن تصوّرها، أو حتّى لا يمكن تصوّرها أو استحضارها، ولو في الخيال! هذا الركن هو أرض فلسطين، ففي غزّة حيث تعاني النساء الفلسطينيات أفظع الجرائم في التاريخ المعاصر، كما يُواجهن يوميًّا المصاعب المروّعة من قتلٍ وأسرٍ واغتصابٍ، ومن جرائم وانتهاكات لن تسعها نصوص ومدوّنات.
وبالتزامن مع الاحتفالات التي تنتشر حول العالم عن الإنجازات التي حُقّقت وتحقّقت لأجل المساواة بين الرجل والمرأة وتحصيل حقوقها، لا يسعنا إلّا أن نفكّر في النساء والفتيات في غزّة، وهنّ يعشن ويُواجهن الواقع الوحشي في كلّ دقيقة، بل وفي كلّ ثانية أيضًا. وعلى الرغم من المطالبة العامة بحقوق المرأة من قبل المجتمع العالمي، فإنّ المرأة الفلسطينية محرومة من الحدِّ الأدنى من حرّياتها بسبب الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المُستمرة. ولا يوجد مكان يتجلّى فيه هذا الأمر أكثر من غزّة، حيث عانت كلّ امرأة في فلسطين، وبلا توقف منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل. وقد تحوّل وضع النساء تحت الحصار في غزّة إلى جحيمٍ حي، حيث يرافقهن الخوف والألم في حياتهن اليومية. وقد وصفت الأمم المتحدة ما يجري للمرأة بأنّها "حرب على المرأة" ذات عواقب مدمرة، إذ قُتل ما يقدّر بنحو 9000 امرأة بشكل مأساوي على يدّ القوات الإسرائيلية منذ بدء الحرب حتى الآن. ومع ذلك، فمن المرجح أنّ هذه الأرقام تقلّل من عدد الضحايا الحقيقيين، إذ يُخشى أن يكون هناك عدد أكبر من النساء قد متن تحت الأنقاض.
تقع النساء والفتيات في فلسطين وغزّة في كابوس لا هوادة فيه، حيث العنف والدمار رفيقين كلّ يوم ولحظة. تخيّل أن نستيقظ كلّ صباح ولا نعرف ما إذا كان هذا هو اليوم الأخير أم لا؟ أو كم من أحبائنا سنفقد هذا اليوم؟ هذا هو واقع النساء والفتيات في غزّة، حيث كلّ نفس هو كفاح، وكلّ حركة مليئة بالمخاطر. وفي مواجهةِ هذا العنف الساحق والإبادة الجماعية تُواجه النساء الفلسطينيات بشجاعة هذه التحدّيات غير المسبوقة، ويعملن على إبقاء مجتمعهن متماسكًا في مواجهة مثل هذه الفظائع: الأطباء والممرضات وغيرهم/ن من العاملين والعاملات الطبيين والطبيّات الذين واللواتي ينقذون وينقذن الأرواح. أيضًا، المعلمون والناشطون المجتمعيون الذين ينظمون الدروس ويلاعبون الأطفال الفلسطينيين في الملاجئ، الأطفال الذين لن تكون حياتهم كما كانت بعد ذلك، حتى لو بقوا على قيد الحياة.
تلد النساء الفلسطينيات الحوامل وسط الأنقاض، أو في الخيام، أو السيارات لأنّهن لا يستطعن الوصول إلى المستشفى أو المرافق الطبية
في غزّة، تُواجه النساء بلا كللٍ تحدّيات الحصار القاسي، ويسعين جاهدات لتوفير الغذاء والمأوى لأطفالهن، بينما تُدّمر الغارات الجوية المناطق المحيطة بهن. ووفقاً لخبراء الأمم المتحدة، فقد جرى إعدام النساء والفتيات الفلسطينيات تعسفياً، وقد أعربوا عن قلقهم البالغ إزاء التقارير التي تفيد بأنّ النساء والفتيات الفلسطينيات يُواجهن العنف والاعتداء الجنسي، بما في ذلك الادّعاءات "الموثوقة" بالاغتصاب في السجون الإسرائيلية، كما أنّ هناك حوالي 50,000 امرأة حامل في غزّة، وفي كلّ يوم تلد حوالي 180 امرأة في ظروف لا يمكن تصوّرها. ومع تعرّض النظام الصحي لهجومٍ إسرائيلي ممنهج، فإنّ ثلثي المستشفيات، وما يقرب من 80% من مرافق الرعاية الصحية مغلقة الآن بالكامل، وتلد النساء الحوامل وسط الأنقاض، أو في الخيام، أو السيارات لأنّهن لا يستطعن الوصول إلى المستشفى أو المرافق الطبية. كما اضطرت النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، مراراً وتكراراً، إلى إخلاء المستشفيات، وأفاد عمال الإغاثة عن زيادة كبيرة في الولادات المبكّرة بسبب مستويات التوّتر الشديدة. إنّ قصصهم مليئة بالشجاعة والبأس والحزن.
إذاً. لماذا يحتفل العالم بهذا اليوم؟ العدالة الحقيقية تتطلّب الاعتراف بنضالات النساء الفلسطينيات المركّبة، والعدالة تتطلّب النظر إليهن والدفاع عنهن وإيقاف جريمة العصر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وكلّ من يدّعي الاحتفال في هذا يوم اليوم وسط هذه الظروف، وكلّ من يطرب آذاننا بالحديث عن الإنجازات التي حققّها المجتمع الدولي والجمعيات ذات الصلة من أجل المرأة هو منافق!