نصائح ذهبية لن ينفذها أحد
عبد الحفيظ العمري
بادئ ذي بدء، حتى أكون صادقاً، فأنا لا أدري ما الذي دفعني لكتابة هذه النصائح الذهبية؟ ربما ظننتُ أنّ لي تجربة حياتية أريد نقلها إلى الآخرين، أو هكذا تصوّرت!
ولمنْ يسألني: "لماذا هي نصائح ذهبية؟". سأجيب: "هكذا درجت العادة العربية، أنّ كل شيء مهم (من وجهة نظر صاحبه طبعاً) له بريق الذهب!".
أما الساسة لدينا، فيستبدلون التاريخ بالذهب! (أظنهم ملّوا من المعادن النفيسة، فذهبوا للتاريخ)، حيث إنّ كلّ شيء يقومون به يُلصق بصفة التاريخ؛ فنسمعهم يقولون: خطاب تاريخي، موقف تاريخي، نصر تاريخي... إلخ، إلى غيرها من التاريخيات التي صبغت خطابنا العربي منذ قرن كامل.
لنعدْ لموضوعنا، أقول: لا يهم صفة النصائح؛ لتكن ذهبية أو فضية، أو ما شئتم... المهم فحواها. لذا، عزيزي المواطن الحبيب، ها هي نصائحي لك:
اِعلمْ أنّ اليمن الطبيعية لم تعد طبيعية، ولا حتى صناعية! بل صارت حاجة أخرى، حتى إنّي لا أجد من كلمات العربية كلمةً مناسبةً لوصفها. لكنّي أظنّ، بل أثق، أنّ الفكرة قد وصلتك، فلا داعي لكثرة الشرح واللت والعجن، فنحن لسنا في المطبخ!
عزيزي المواطن الصدوق:
لا تصدّق وعود الساسة، لأنهم يطلقون وعودهم وينسون ماذا قالوا بعد ذلك؛ فالكلام لديهم بضاعة مزجاة لا يرضى بها حتى الشياطين أنفسهم!
عزيزي المواطن المتحضّر:
أنت على أرض الحضارات، التي كانت عامرة قبل مئات، بل آلاف السنوات. بيد أنّه يجب أن تتذكّر أنّ الحضارة القديمة مكانها كتب التاريخ أو في الآثار واللُقى الحجرية، وليس واقع الحال، فلا تتوّقع أي نهضة "حضارية". كما أنّي نسيت أن أقول لك إن النهضة كانت حقبة أوروبية ذهبت أيامها.
عزيزي المواطن الصبور:
أزمة الطاقة هي أزمة عالمية، ووطنك لا يشذّ عن ذلك، فلا تستغرب إن ارتفع سعر النفط أو الديزل أو أنبوبة الغاز... فهذه أمور صارت عادية وحياتية. أقول ذلك، حتى لا يرتفع ضغطك أو معدّل السكر في دمك، يكفي الارتفاع في أسعار الطاقة!
عزيزي المواطن الرشيد:
الفوضى اليوم صارت لها رياضيات تحكمها، تسمى نظرية الفوضى Chaos theory، ولها تطبيقات كثيرة، غير أنّ منطقتنا العربية مستثناة من ذلك، فهي تحافظ على الأصالة! فالفوضى لدينا لا تعرف الرياضيات، ولا الفيزياء، ولا القانون، ولا أي مادة طبيعية كانت أو إنسانية، فضع أعصابك، عزيزي، في ثلاجة، ولا تنسى وصلها بالكهرباء، إذ يكفي الفوضى خارجها.
عزيزي المواطن المتأقلِم:
الحرب ظاهرة كونية، ألم يقل الفيلسوف اليوناني هرقليطس: "الحرب هي أم كلّ الأشياء؟!". لذا لا تستغرب من نشوبها في أيّ بقعة على وجه الأرض، ومن ضمن هذه البقع بلادك، هكذا تحسّ أنك لست شاذاً عن مسيرة البشرية المفعمة بالصراع!
عزيزي المواطن المتفهِّم:
المواطنة تحتّم عليك التساوي مع أخيك المواطن على نفس الأرض التي تعيشان عليها، وأعرف أنّه من المفترض أن يكون التساوي في الحقوق والواجبات، لكن يبدو أنّ هذه الجغرافيا لا تعرف الحقوق بل الواجبات فقط، وكأنها واجبات مدرسية!.
لا تصدّق وعود الساسة، لأنهم يطلقون وعودهم وينسون ماذا قالوا بعد ذلك؛ فالكلام لديهم بضاعة مزجاة لا يرضى بها أحد!
هكذا أنا أفهم المواطنة، وأتمنى أن تفهمها أنت، فإذا وجدتَ غير ذلك، فاعلم أنّها ليس مواطنة صالحة، بل مواطنة انتهت تاريخ صلاحيتها، فتخلّص منها فوراً.
عزيزي المواطن الفَطِن:
الديمقراطية مطلب جميل، لكنها تحتاج إلى وعي حقيقي لتطبيقها، وعي يعرف أبعادها، لأنّ لها أنياباً، كما قال الرئيس الراحل أنور السادات. وبدون هذا الوعي ستصبح الديمقراطية مجرّد عدّ أصابع، كما يقول المفكر عبد الوهاب المسيري. إضافةً إلى أنها بذلك تحقّق مقولة الساخر برنارد شو؛ إذ عرّف الديمقراطية على أنها "جَعْل أغلبية من الحمير تتحكم في مصيري"! فهل ستقبل أنت قرار الأغلبية "الحميرية"؟!.
عزيزي المواطن الباحث:
أنا أعلم أنّ الحياة صعبة، ولكنها ليست مسألة رياضيات، فتبحث عن أستاذ أو دكتور رياضيات لحلها!
عزيزي المواطن:
أنا لم أستمع لنصيحة واحدة مما قاله الناصحون السابقون، لذا لا أتوقع أن تستمع لنصحي هنا، لكنّي أقول لك هذه النصائح براءة للذمة، في زمان خربت فيه الذمم.