هجوم عائلي بسبب الكذب

06 مارس 2019
+ الخط -
من خلال جلسات "الإمتاع والمؤانسة" التي كانت تُعقد في مدينة إدلب، قبل أن يجبرنا ابن حافظ الأسد على مغادرة بيوتنا واللجوء إلى تركيا، اكتسب أبو الجود لقب "الكذاب"، مع أنه، بحسب رأي الأستاذ كمال، ليس كذاباً عادياً، وإنما هو مبدع يأخذ الحكاية الواقعية ويضيف عليها أحداثاً من خياله، والأحداث التي يضيفها من خياله يصوغها بطريقة واقعية بالغة الروعة والإقناع.

استرجعنا في السهرة التي عُقدت في مدينة "كيركهان" التركية بعض حكايات "أبو الجود" التي لها علاقة بالكذب، وضحكنا كثيراً على حكاية المرأة التي نزلت إلى بيتهم ورأت العود معلقاً فأنزلته وصارت تعزف عليه "طلوا حبابنا طلوا".

قال أبو الجود: بصراحة يا شباب، هاي جارتنا يومها ما عزفت "طلوا حبابنا طلوا"، وإنما كانت تعزف رقصة ستي اللي ألفها عمر النقشبندي، وأنا، من كتر من انطربت، قمت وصرت أرقص، وصارت والدتي تصفق لي وتقول: الله لا يحرمني من هالشاب اللي بيرقص رقصة ما في أحلى منها بكل حارة "الناعورة".


بغتةً سأله أبو جهاد: في هداكا اليوم كانت والدتك عايشة، ولا عاطيتنا عمرها؟
قال أبو الجود: آ؟
وحك رأسه، وكأنه يريد أن يؤلف كذبة صغيرة بشكل ارتجالي، وقال: كانت والدتي ميتة يوميتها، الله يرحمها، أصلاً أنا إنسان خجول، بحياتي ما ضحكت ولا مزحت قدام والدتي، ومستحيل أني أرقص بحضورها.

وبعد سكتة قصيرة قال: إذا ممكن خلوني أفكر شوي، منشان أكمل لكم الحكاية من دون ما حد يشك بأني أكذب.
قال أبو زاهر: لحظة. أنا بدي أسأل، هاي القصة صارت قبل الخدمة العسكرية، أم بعد الخدمة؟

قال أبو الجود: بصراحة؟ حكاية المرأة اللي عزفت "رقصة ستي" وخلتني أرقص معها كانت قبل العسكرية، وأما الحكاية اللي بدي أحكيها لكم الآن فحصلت في سنة 2009، يعني بعد العسكرية بزمان، وخلاصتها هي التالية:
كنا نسهر، يومياً، في الدكان التي استأجرها ابن عمي "مسعود" ليشتغل فيها بأعمال الاستيراد والتصدير، وكنا نلعب بالورق، أو بطاولة الزهر، وندخن السجائر والأراكيل، وطوال تلك الفترة ما صَدَّرْ ابن عمي مسعود شي، ولا استورد شي. وبعد الانتهاء من اللعب كنا نمضي الوقت في سرد القصص والمواقف التي نمر بها خلال حياتنا اليومية.

قال أبو محمد: كلام أبو الجود عن السهر في مكتب ابن عمه "مسعود" صحيح. أنا كنت أمر بهم في بعض الأوقات، وكانوا يضيفوني قهوة مرة. ولكن انتبهوا، أنا عم أحكي عن السهر، أما ما يرويه أبو الجود من حكايات فما بعرف إذا كانت صدق أو كذب.

قال أبو الجود: الكذب موجود يا عمي أبو محمد. ومتلما قلت لكم، الشباب بوقتا كانوا يقولوا عني "أبو الجود الكذاب". المهم، مرة من المرات، ونحن قاعدين في المكتب، دخل علينا شاب من عائلة (الفُلاني).. سَلَّمْ علينا وجلس، ونحن ضيفناه قهوة مرة، وحاولنا نجامله باعتبارو ضيف. ولكنه، في الحقيقة، ما راعى هالناحية، وبلش يكذب علينا بدون رحمة أو شفقة. حكى لنا خمس أو ست حكايات كل واحدة منها لا يقبلها عقل ولد صغير. ثم استأذن وخرج.

قال أبو أحمد متشفياً: والله ما قصر فيكم. الكف لمين سَطَرُه.
قال أبو الجود: بعدما طلع بلشوا الشباب ينظروا باتجاهي، وكأنهم حابّين يسمعوا مني تقييم لهذه الجلسة. وأنا بوقتا كنت كتير متضايق ومقهور. وبصعوبة قلت لهم:
- يا شباب، هادا الشاب ابن عيلة (الفلاني) كسرني. أنا من تلاتين سنة أكذب، وأحمل لقب "الكذاب" عن جدارة، وبحياتي ما وصلت لمستوى الأكاذيب تبعه!
وقتها تحمس ابن عمي مسعود وقال: عيلتنا أكبر ولا عيلة (الفلاني)؟ قال الشباب: عيلتنا أكبر. قال: ومين أشجع؟

قالوا: نحن أشجع. فقال:
- كلامكم صحيح. ونحن في الحقيقة متفوقين على بيت الفلاني بكل شي. لذلك أنا أرى أن نهجم عليهم بالعصي والهراوات، ونكسر رؤوسهم. معقولة نخليهم يتفوقوا علينا بالكذب؟!!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...