02 سبتمبر 2024
هزليات السياسة الأسدية (2)
ذكرتُ في مستهل جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي انعقدت في منزل الأستاذ كمال بمدينة إسطنبول فكرةً وجدها الأصدقاءُ مناسبةً جداً للموضوع الذي بدأنا نتحدث فيه قبل يومين، وهو هزليات السياسة خلال حكم بيت الأسد.. قلت:
- الشي اللي بيخلّي الإنسانْ يزعلْ وينقهرْ ويبكي، هوّي إنُّه تكونْ بلادْنا محكومة من عصابة زعرانْ أحكموا قبضتْهم عَ الناسْ من خلالْ السجونْ والمعتقلاتْ ومحاكمْ أمنْ الدولة وقانونْ الطوارئ والأحكامْ العرفية.. هدولْ الزعرانْ والأوباشْ نشروا الرعبْ في المجتمعْ السوري حتى صارْ المواطنْ اللي عندُه "رأي" بيفضّلْ يحتفظْ فيه لنفسُه، ويمتنعْ عن إبداؤُه حتى أمامْ مرتُه وأولادُه.. وأحياناً بيشوفْ صاحبْ الرأي إنه الأفضلْ إلُه والأسلمْ إنه يغيّرْ رأيُه، ويمشي بجوارْ الحائطْ ويقولْ يا ربّْ سِتْرَكْ، أو يسيرْ مع جوقة الجماهيرْ المقهورة اللي كُلّ كَمْ يومْ بتجبرْها فروعْ الأمن عَ النزولْ إلى الشوارع لتحيي المجرمْ اللي عَمْ ينشر الرعبْ والموتْ والآلامْ في هالبلادْ المسكينة. لاكنْ التصرفاتْ اللي بتصدُرْ عن هاي العصابة نفسها خلالْ إدارتْها لمؤسساتْ الدولة بتضَحِّكْ، وهادا الشي قريب من مفهوم "الهزل"!
قال أبو إبراهيم: هادا الشي مو بعيدْ عن مفهوم "المضحك المبكي" اللي تناولناه، وقلنا بوقتْها إنه المجلة اللي كانْ المرحومْ حبيب كحالة يصدرْها (من سنة 1929 لغاية 1966) كانتْ ترصدْ الحالاتْ المضحكة المبكية في المجتمع، يعني الحالات "الهزلية"، متل هاي الحالاتْ اللي عم تحكوا عنها هلقْ. صح؟
قال كمال: صح، لاكنْ الحالاتْ المضحكة المبكية أو الهزلية اللي كانتْ تصيرْ في هديكه الفترة قليلة جداً.. ولو كانتْ هالمجلّة بتصدرْ على زمانْ حافيييظ الأسدْ، كان المضحك فيها بلغْ مستوى القهقهة، والمبكي وصلْ لحدودْ العَوِيْلْ.
قال أبو محمد: إنتو يا شباب عَمْ تحكوا كلام كويسْ ومدوزنْ.. بس يا ريت تعطونا أمثلة، حتى نفهم.
قلت: بما أنه عم نحكي عن الهزل في السياسة خلينا ناخدْ أمثلة من قَطَّاعْ الصحافة والإعلامْ، يعني الصحفْ والمجلاتْ والإذاعاتْ والتلفزيوناتْ.. ويكونْ في علمكْ يا عمي أبو محمدْ إنه دولْ العالمْ الراقية ما فيها وزيرْ إعلامْ أصلاً، يعني نحنا عَمْ نحكي عن وزارة موجودة فقطْ في الدولْ المتخلفة، وبالأخصّ الديكتاتورية. هادا أولاً، وأما ثانياً فبَدّي أقولْ لكْ إنه مَكَانة "وزيرْ الإعلام" -في الأحوال الطبيعية- لازمْ تكونْ متأخرة لما بتقارنْها بالوزاراتْ المهمة متل الدفاعْ والداخلية والخارجية والصناعة والتجارة والسياحة والمالية، أما في سورية عَ زمانْ حافيييظ الأسدْ وإبنه فصارتْ وزارة الإعلامْ تحتلْ مرتبة متقدمة في الأهمية لأبعدْ الحدودْ، حتى فينا نقول إنها أهمّ وزارة ع الإطلاقْ.
قال أبو محمد: معقول هالحكي؟ طيب ليش؟
قلت: لأنْ العصابة الحاكمة اغتصبتْ السلطة في سورية بانقلابْ عسكري، وبالتالي هيي ما بتمتلكْ أيَّ نوعْ من الشرعية القانونية أو الدستورية أو الدولية، وحافييظ الأسدْ بيعرفْ هالشي، وبيعرفْ إنه نظامُه بحاجة للكذبْ والزعبرة والخطابات الإنشائية الرنانة والتزويرْ والتلفيقْ وصناعة الانتصاراتْ الوهمية، وبنفسْ الوقتْ إجبارْ الناسْ على إنها تصدقْ كل هاي الأكاذيبْ، وتتبناها، وتتوحّدْ تحتْ شعارْ (الالتفاف حول القيادة الحكيمة)، وهادا كله بيحتاجْ لوزارة إعلامْ غنية (زنكينة) ومدعومة من رأسْ النظامْ، ومتحالفة مع الأخطبوطْ المخابراتي، منشانْ اللي ما بيرضخْ بالذوقْ، يستسلم ويرضخْ بالقوة، أو (بالعافية) على قولة أشقاءْنا المصريين.
قال أبو زاهر: وكيف كانوا يعينوا وزيرْ الإعلامْ؟
قلت: لما بتكون الوزارة قيدْ التَشْكِيْلْ ولا واحدْ من الشخصياتْ الإعلامية الوطنية المحترمة بيخطرْ في بالُه إنه ممكنْ يتصلوا فيه ويطلبوا منه يصيرْ وزيرْ إعلامْ. لأنه هاي وزارة بيلعبْ فيها الوَلاء لحافييظ ونظامُه دورْ أساسي، وبالتالي المهنية والوطنية والأخلاق ما بتلزم. وعلى فكرة، في يوم من الأيام بَلَّشْ حافييظ يشتغلْ على محاصصة طائفية (غير معلنة)، وبموجب هالمحاصصة صار المسيحي والمسلم السني أو الدرزي أو الإسماعيلي يشيل من بالُه إنه ممكنْ يصيرْ وزيرْ إعلامْ، لأنه هالوزارة هاي صارت وزارة عَلَوية، متل رئيس الوزراء اللي إجباري لازم يكون سني.. إلى آخره.
قال كمال: ضمنْ هادا الجوّْ التعيسْ بتبلِّشْ الفصولْ الهزلية تاخدْ مكانها على أرض الواقع.. الإنسان اللي بيكون قريبْ من الوسط الإعلامي كان ممكنْ يشوفْ مجموعة من الصحفيين الجيدين وهني عم يستنوا قرارْ القيادة بتعيينْ رئيسْ للقسمْ اللي بيشتغلوا فيه، بعدما تكونْ المنافسة محصورة بين تنينْ من أردَأْ أنواعْ الصحفيينْ، النوع اللي ما بيعرف يحررْ خبرْ، ولا عنده خبرة بكتابة التحقيقات، وبنفس الوقتْ بيغلطْ في الإملاء.. وبالأخيرْ بيجي هالصحفي التعبانْ اللي اختارتُه القيادة "الحكيمة" عَمّ يمشي بطريقة "خصلة وعنقود والباقي فراطة" وبيصير يحكي إما من منخارُه أو من بين روس شفايفه، وإذا كانت الوظيفة منيحة شوي بتلاقيه جاية وهوي عَمّ يسوقْ السيارة اللي سلمتُه إياها القيادة "الحكيمة" نفسها وحاططْ كوعُه في الشباك وبيعلن أنه فاز في المنافسة.. وهادا كله كوم، والهجومْ على مراكز بيع الصحف والمجلات كل يومين أو تلاتة كومْ تاني.
قال أبو جهاد: هجوم؟ شلون يعني؟
قال كمال: رغم كل الحرصْ، واليقظة، والرقابة المستميتة على كل شي بينكتبْ أو بينتشرْ في سورية، كانت المطبعة الحقيرة تورطْ الصحفيينْ والموظفينْ الإداريين في مشاكل قاتلة، وبالأخص على أيام الطباعة بالحروف، وأنا بتذكر إنه أكتر من مرة صدرتْ أوامرْ من وزيرْ الإعلام لمؤسسة توزيع المطبوعات بضرورة الإسراع بجمعْ نسخْ إحدى الصحفْ وإتلافها فوراً لأن المانشيت الرئيسي ع الصفحة الأولى بيقول: الرئيس حافظ الأسد يرعى الاحتفال بالذكرى السنوية لميلاد "حزب" البعث العربي الاشتراكي..
ومن سوءْ حظ العاملين في الصحيفة إنه دائماً الغلط بيوقَعْ على كلمة "حزب" اللي إذا طار منها حرف بتتحول لكلمة نابية، حاشاكم وحاشا الطيبين أمثالكم!
- الشي اللي بيخلّي الإنسانْ يزعلْ وينقهرْ ويبكي، هوّي إنُّه تكونْ بلادْنا محكومة من عصابة زعرانْ أحكموا قبضتْهم عَ الناسْ من خلالْ السجونْ والمعتقلاتْ ومحاكمْ أمنْ الدولة وقانونْ الطوارئ والأحكامْ العرفية.. هدولْ الزعرانْ والأوباشْ نشروا الرعبْ في المجتمعْ السوري حتى صارْ المواطنْ اللي عندُه "رأي" بيفضّلْ يحتفظْ فيه لنفسُه، ويمتنعْ عن إبداؤُه حتى أمامْ مرتُه وأولادُه.. وأحياناً بيشوفْ صاحبْ الرأي إنه الأفضلْ إلُه والأسلمْ إنه يغيّرْ رأيُه، ويمشي بجوارْ الحائطْ ويقولْ يا ربّْ سِتْرَكْ، أو يسيرْ مع جوقة الجماهيرْ المقهورة اللي كُلّ كَمْ يومْ بتجبرْها فروعْ الأمن عَ النزولْ إلى الشوارع لتحيي المجرمْ اللي عَمْ ينشر الرعبْ والموتْ والآلامْ في هالبلادْ المسكينة. لاكنْ التصرفاتْ اللي بتصدُرْ عن هاي العصابة نفسها خلالْ إدارتْها لمؤسساتْ الدولة بتضَحِّكْ، وهادا الشي قريب من مفهوم "الهزل"!
قال أبو إبراهيم: هادا الشي مو بعيدْ عن مفهوم "المضحك المبكي" اللي تناولناه، وقلنا بوقتْها إنه المجلة اللي كانْ المرحومْ حبيب كحالة يصدرْها (من سنة 1929 لغاية 1966) كانتْ ترصدْ الحالاتْ المضحكة المبكية في المجتمع، يعني الحالات "الهزلية"، متل هاي الحالاتْ اللي عم تحكوا عنها هلقْ. صح؟
قال كمال: صح، لاكنْ الحالاتْ المضحكة المبكية أو الهزلية اللي كانتْ تصيرْ في هديكه الفترة قليلة جداً.. ولو كانتْ هالمجلّة بتصدرْ على زمانْ حافيييظ الأسدْ، كان المضحك فيها بلغْ مستوى القهقهة، والمبكي وصلْ لحدودْ العَوِيْلْ.
قال أبو محمد: إنتو يا شباب عَمْ تحكوا كلام كويسْ ومدوزنْ.. بس يا ريت تعطونا أمثلة، حتى نفهم.
قلت: بما أنه عم نحكي عن الهزل في السياسة خلينا ناخدْ أمثلة من قَطَّاعْ الصحافة والإعلامْ، يعني الصحفْ والمجلاتْ والإذاعاتْ والتلفزيوناتْ.. ويكونْ في علمكْ يا عمي أبو محمدْ إنه دولْ العالمْ الراقية ما فيها وزيرْ إعلامْ أصلاً، يعني نحنا عَمْ نحكي عن وزارة موجودة فقطْ في الدولْ المتخلفة، وبالأخصّ الديكتاتورية. هادا أولاً، وأما ثانياً فبَدّي أقولْ لكْ إنه مَكَانة "وزيرْ الإعلام" -في الأحوال الطبيعية- لازمْ تكونْ متأخرة لما بتقارنْها بالوزاراتْ المهمة متل الدفاعْ والداخلية والخارجية والصناعة والتجارة والسياحة والمالية، أما في سورية عَ زمانْ حافيييظ الأسدْ وإبنه فصارتْ وزارة الإعلامْ تحتلْ مرتبة متقدمة في الأهمية لأبعدْ الحدودْ، حتى فينا نقول إنها أهمّ وزارة ع الإطلاقْ.
قال أبو محمد: معقول هالحكي؟ طيب ليش؟
قلت: لأنْ العصابة الحاكمة اغتصبتْ السلطة في سورية بانقلابْ عسكري، وبالتالي هيي ما بتمتلكْ أيَّ نوعْ من الشرعية القانونية أو الدستورية أو الدولية، وحافييظ الأسدْ بيعرفْ هالشي، وبيعرفْ إنه نظامُه بحاجة للكذبْ والزعبرة والخطابات الإنشائية الرنانة والتزويرْ والتلفيقْ وصناعة الانتصاراتْ الوهمية، وبنفسْ الوقتْ إجبارْ الناسْ على إنها تصدقْ كل هاي الأكاذيبْ، وتتبناها، وتتوحّدْ تحتْ شعارْ (الالتفاف حول القيادة الحكيمة)، وهادا كله بيحتاجْ لوزارة إعلامْ غنية (زنكينة) ومدعومة من رأسْ النظامْ، ومتحالفة مع الأخطبوطْ المخابراتي، منشانْ اللي ما بيرضخْ بالذوقْ، يستسلم ويرضخْ بالقوة، أو (بالعافية) على قولة أشقاءْنا المصريين.
قال أبو زاهر: وكيف كانوا يعينوا وزيرْ الإعلامْ؟
قلت: لما بتكون الوزارة قيدْ التَشْكِيْلْ ولا واحدْ من الشخصياتْ الإعلامية الوطنية المحترمة بيخطرْ في بالُه إنه ممكنْ يتصلوا فيه ويطلبوا منه يصيرْ وزيرْ إعلامْ. لأنه هاي وزارة بيلعبْ فيها الوَلاء لحافييظ ونظامُه دورْ أساسي، وبالتالي المهنية والوطنية والأخلاق ما بتلزم. وعلى فكرة، في يوم من الأيام بَلَّشْ حافييظ يشتغلْ على محاصصة طائفية (غير معلنة)، وبموجب هالمحاصصة صار المسيحي والمسلم السني أو الدرزي أو الإسماعيلي يشيل من بالُه إنه ممكنْ يصيرْ وزيرْ إعلامْ، لأنه هالوزارة هاي صارت وزارة عَلَوية، متل رئيس الوزراء اللي إجباري لازم يكون سني.. إلى آخره.
قال كمال: ضمنْ هادا الجوّْ التعيسْ بتبلِّشْ الفصولْ الهزلية تاخدْ مكانها على أرض الواقع.. الإنسان اللي بيكون قريبْ من الوسط الإعلامي كان ممكنْ يشوفْ مجموعة من الصحفيين الجيدين وهني عم يستنوا قرارْ القيادة بتعيينْ رئيسْ للقسمْ اللي بيشتغلوا فيه، بعدما تكونْ المنافسة محصورة بين تنينْ من أردَأْ أنواعْ الصحفيينْ، النوع اللي ما بيعرف يحررْ خبرْ، ولا عنده خبرة بكتابة التحقيقات، وبنفس الوقتْ بيغلطْ في الإملاء.. وبالأخيرْ بيجي هالصحفي التعبانْ اللي اختارتُه القيادة "الحكيمة" عَمّ يمشي بطريقة "خصلة وعنقود والباقي فراطة" وبيصير يحكي إما من منخارُه أو من بين روس شفايفه، وإذا كانت الوظيفة منيحة شوي بتلاقيه جاية وهوي عَمّ يسوقْ السيارة اللي سلمتُه إياها القيادة "الحكيمة" نفسها وحاططْ كوعُه في الشباك وبيعلن أنه فاز في المنافسة.. وهادا كله كوم، والهجومْ على مراكز بيع الصحف والمجلات كل يومين أو تلاتة كومْ تاني.
قال أبو جهاد: هجوم؟ شلون يعني؟
قال كمال: رغم كل الحرصْ، واليقظة، والرقابة المستميتة على كل شي بينكتبْ أو بينتشرْ في سورية، كانت المطبعة الحقيرة تورطْ الصحفيينْ والموظفينْ الإداريين في مشاكل قاتلة، وبالأخص على أيام الطباعة بالحروف، وأنا بتذكر إنه أكتر من مرة صدرتْ أوامرْ من وزيرْ الإعلام لمؤسسة توزيع المطبوعات بضرورة الإسراع بجمعْ نسخْ إحدى الصحفْ وإتلافها فوراً لأن المانشيت الرئيسي ع الصفحة الأولى بيقول: الرئيس حافظ الأسد يرعى الاحتفال بالذكرى السنوية لميلاد "حزب" البعث العربي الاشتراكي..
ومن سوءْ حظ العاملين في الصحيفة إنه دائماً الغلط بيوقَعْ على كلمة "حزب" اللي إذا طار منها حرف بتتحول لكلمة نابية، حاشاكم وحاشا الطيبين أمثالكم!