هكذا نحمي أطفالنا من التحرّش
كثيراً ما نضطر لترك أطفالنا بعيداً عن أعيننا، وبالذات في التجمعات الأسرية والمناسبات، فضلاً عن الوقت الذي يقضونه في المدارس، لذا يستحيل أن نعرف كلّ ما يحدث معهم طوال الوقت، كما أنهم لن يعرفوا الصح من الخطأ، إن لم نقم بتوعيتهم بذلك، وقد يتعرّضون للكثير من الأذى والاستغلال، ومن أسوأ ما قد يحدث لهم التحرّش الجنسي.
أثبتت دراسة أميركية أنّ 83% من الأطفال قد تعرّضوا للتحرّش الجنسي، فيما نشرت الشبكة الوطنية للحماية من الاغتصاب والاعتداء الجنسي (RAINN) أنّ هناك نحو 293 ألف ضحية سنوياً، وأنّ أخطر حالات التحرّش الجنسي هي التي تتعلق بالأطفال الذين لم يبلغوا 12 عاماً.
لست هنا بصدد كتابة مقال علمي حول هذا الموضوع، فهو أكبر وأكثر اتساعاً من اختزاله في مقال صغير، لكنّي أودّ الحديث حول أهمية توعية الطفل بحرمة جسده، أي أن يعي أنّ لكلّ جزء من جسده خصوصية عن الآخر، فلمس اليد، مثلاً، لا يشبه لمس المؤخرة!
لا يقف الأمر بنا هنا فقط، فالطفل، غالباً، حينما يتعرّض للتحرّش يصاب بصدمة نفسية، ولا يعرف كيف يتعامل مع هذا الموقف، لا سيما حين يأتي من الأهل والأصدقاء أو الخدم والأشخاص المقرّبين بشكل عام، وقد نشرت الجمعية الوطنية للوقاية من العنف ضد الأطفال، أنّ طفلاً من بين كلّ عشرين طفلاً يتعرّض للاعتداء الجنسي، 90% منهم اعتدى عليهم شخص يعرفونه جيداً.
يجب علينا أن نربي الطفل في جو من الثقة بالنفس وقوة الشخصية، فالطفل الواثق من نفسه لن يكون ضحية سهلة للمتحرّش، بينما الطفل المقموع والخجول هو الأسهل والأكثر تعرّضاً للأمر. لذا علينا تعليم الطفل كيف يجب أن يصدّ أيّ سلوك قد يثير عدم ارتياحه ومقاومته، سواء بدفع الشخص المسيء أو الصراخ في وجهه، والهروب سريعاً منه، والتحدّث إلى أقرب شخص يجده، وبالتأكيد التحدث إلى الوالدين، وعلى الوالدين تشجيعه على ذلك والأخذ بحق الطفل وإنصافه، فهذا يعزّز الأمان لديه. أما إذا وصل التحرّش (لا قدر الله) لدرجة الإيذاء الكبير، فلا بدّ من اللجوء إلى مختص نفسي مبكراً قبل أن تحفر التجربة جروحاً عميقة في نفس الطفل، وتكوّن عقداً عميقة تصيبه وتسبّب خللاً في شخصيته مدى الحياة.
طفل من بين كلّ عشرين طفلاً يتعرّض للاعتداء الجنسي، 90% منهم اعتدى عليهم شخص يعرفونه جيداً
قبل أشهر مضت، كنت أجلس في مكان عام بينما ابنتي تلعب مع الأطفال في المساحة المخصّصة لهم، وإذا بابنتي تجري إليّ وهي تبكي بخوف وتخبرني بأنّ امرأة كبيرة تودّ ضربها! فأسرعت لفهم الموضوع، ووجدت طفلة لا يتجاوز عمرها الثامنة، فيما خالتها الشابة إلى جوارها تبرّر لي: "بنتك ضربت بنتنا، فقلت لبنتنا تضربها بدل الضربة ونخلص!". سألتها: "لماذا: ضربتها؟". قالت: "معرفش!". توجّهت بسؤالي لابنتي: "هل ضربيتِها بالفعل؟". أجابت: "نعم، لماذا؟ لأنها سحبت بنطلوني!!".
سألت الطفلة: "لماذا سحبتِ بنطلون بنتي؟". أجابت بأنها تمازحها! هنا قالت الخالة بمنتهى السذاجة: "خلاص اعتذري لأنك ضربتِها وقولي لها آسفة". لكني بمنتهى الصرامة ردّدت عليها: "ابنتي ليست آسفة (كانت ابنتي حينها متوترة وقد بدأت بالشك بأنها أجرمت بضربها الفتاة)، ثم التفتُّ إلى ابنتي وطمأنتها: "أي حد يلمس بنطلونك اضربيه وبهدليه وأنا لو حد ضربك حا آخذ حقك منه!". ثم التفت للطفلة بحنان وقلت لها: "حبيبتي، ممكن نمزح ونسحب جاكت أو شال، لكن البنطلون غلط، إنتِ كمان لو حد سحب بنطلونك غير ماما اضربيه وبهدليه واصرخي عليه". هنا فجأة انهارت الطفلة في أحضاني بالبكاء.
بعدما احتويت الطفلة قلت لابنتي: "هي لم تكن تعرف أنّ هذا تصرف خاطئ، وهي حزينة لأنك ضربتِها"، فاعتذرت لها ابنتي واقتربت منها لتقبّلها، ثم اقتربت الطفلة الأخرى من ابنتي وكادت تقبلها في شفتها، لكن ابنتي أزاحت وجهها، وقالت للطفلة: "غلط نبوس في الفم!". هنا خرجت الخالة عن صمتها مذهولة: "إنتِ مربياها تربية!!" فأكدت عليها ضرورة توعية الأطفال وانصرفنا.
شعرت بالأمان على طفلتي، وأبديت لها إعجابي بردود أفعالها، لكني ما زلت حتى اللحظة أفكر في تلك الصغيرة البريئة وانهيارها بالبكاء، يا ترى من الذي يمازحها بسحب بنطلونها؟! ومن الذي يستبيح تقبيل شفتيها؟ وما الذي تخفيه خلف تلك الدموع؟
ما زال دمعها وخوفها ينزف في قلبي ويزيد من ارتجافه!