هل تنتهك الدولة القانون؟
ماء العينين سيدي بويه
سبق للمفكر اللبناني، ناصيف نصار، في كتابه "منطق السلطة" أن تساءل عن العلاقة بين سلطة الشعب والحُكام؟ مبيناً أنّ سلطة الشعب في الأدبيات الديمقراطية، هي مرادف لسلطة المجتمع السياسي بكامله، والشعب ليس له معنى آخر، غير جملة المحكومين في الدولة. وهنا مربط التناقض، إذ كيف يكون المحكوم، وهو المُطيع، صاحب سلطة؟
الحل في نظر المفكر، يكمن في الحديث عن محدودية التفويض الذي بموجبه تنشأ سلطة الحاكم من سلطة الدولة، وعليه فالسلطة في جلّ البلاد العربية هي أحوج من غيرها إلى هذا الوعي. (ص259/260).
إلا أنّ الوعي هو عدو السلطات العربية، فهو غائب وحاضر بشكل سرّي وعلني، سرّي في عقل المواطن وشعوره بغياب العيش الكريم والمحاسبة والتلاعب بمصالحه وغياب حقيقة تمثيله في جلّ المجالس الدستورية، وعلني بعجز هذا المواطن عن الاعتراف بغياب ذاته، أمام مؤسسات فاسدة وقضاء غير عادل وحكومات أوليغارشية حتى النخاع.
المثال على ذلك، ما يعيشه المواطن المغربي حيال حكومة من المفترض أن تمتثل لسلطة المجتمع السياسي، وتنفذ سياسات ينتظرها المواطن، لكنها انقلبت الى سلطة حاكمة تتنكر لتفويض الشعب لها، وترغم المحكومين على تقبّل أبشع السياسات. هنا يحضر الجواب، صريحاً وجلياً، على سؤال: هل الدولة تنتهك القانون؟
نعم، فمثال قضايا الفساد التي لا تحرّك الدولة حيالها ساكناً، أكبر دليل على تواطئها ورعايتها له، فما معنى أنّ كل أحكام القضاء ضد هذه القضايا هي حكم مع "وقف التنفيذ" أو "غرامة مالية رمزية"؟ عكس الأحكام الصادرة في حق "رعاع الشعب" كما وصفهم أحد الدعاة الملتحين ردّاً على عدم تدخله في مناصرة حملة الشعب ضد غلاء الأسعار والمعيشة، والتي هي أحكام نافذة وجائرة؟!
تحولت الحكومة إلى سلطة حاكمة تتنكر لتفويض الشعب لها، وترغم المحكومين على تقبّل أبشع السياسات
نعم الدولة تنتهك القانون؟ الدليل أيضاً، أنها لم تحترم التفويض الذي خوّله لها الشعب عقب الانتخابات، بدءاً بضرب القدرة الشرائية للمواطن وإلغاء مجانية الصحة بإلغاء "بطاقة الرميد" وتحويلها إلى التغطية الصحية الإجبارية، واستمرار التعاقد في الوظيفة العمومية، خاصة قطاع التعليم وتسرّبه إلى القطاعات الحيوية الأخرى، تجميد شركات وطنية (سامير مثلاً)، ما أثر سلباً على ارتفاع أسعار المحروقات وانعكس على باقي القطاعات التي لها احتكاك مباشر مع الشعب. وهناك أيضاً، زيادة عدد معتقلي الرأي، وتقارير حقوق الإنسان السلبية تجاه البلاد، وتوّتر العلاقات مع المحيط الجيو_سياسي والاقتصادي، خاصة الاتحاد الأوروبي؟ والمتهم هي فرنسا، وفشل المخطط الأخضر وخطر التبعية الفلاحية للخارج...
وأخيراً فضيحة النفط الروسي تحت مبرّر الاستيراد الحر، فالدولة لم تحاكم نفسها بخيانة الأمانة، إذ تركت الشركات المستوّردة تنهش جيوب فقراء الشعب، حيث تشتري من السوق السوداء وتصدّر بثمن بخس، بينما تبيع النفط في السوق المحلية بثمن السوق الدولية، في ضرب واضح لاحترام وعي المواطن واللامبالاة بوخزة الفضيحة.
وصف تبريرات الحكومة لكلّ الملفات السابقة وغيرها، ينطبق عليه رسمياً "انتهاك القانون" من متمكن وقادر عليه.