احترامي سيدي المواطن
لا يوجد كائن على وجه الأرض يرد اسمُه ضمن نشرات الأخبار، والحوارات والتحليلات السياسية، ومانشيتات الصحف، وخطابات المسؤولين الأشاوس، بقدر ما يرد اسمُ الكائن العجيب الذي يصطلح عليه باسم (المواطن).
المشاريع الاستثمارية، والاستهلاكية، والخدمية، الكبرى والصغرى، تقام لأجل سعادة المواطن. الأسعار تُدرس وتُراقب وتُقرر لأجل خاطر المواطن، وسواد عيني المواطن. المجمعات السكنية، الشعبية وغير الشعبية، والمناطق النظامية، ومناطق المخالفات، تبنى لإيواء المواطن.
مجالس المدن والبلدان تنام وتستيقظ، وتعمل وتتثاءب، تهدم وتبني، وتفتح الشوارع، وتبلط الأرصفة، وتمدد خطوط الكهرباء والهاتف والمجارير لأجل خير المواطن، ونظافة المواطن،.. وحتى السجون والمعتقلات، فقد شيدت ووسعت، وأضيفت إليها الأسوار والأقبية والملاحق، وجهزت بأحدث تقنيات التنصت، لضمان أمن المواطن، وسلامة المواطن!
قبل حلول رمضان، من كل سنة، يهب المسؤولون والموظفون الكبار والصغار هبة الرجل الواحد للقيام بواجباتهم التاريخية إزاء المواطن الذي يسمونه أحياناً "المستهلك"، ويعقدون ما فتح ورزق من الاجتماعات، تردد فيها الشعارات الحزبية، وتُتلى فيها مئات المحاضر، وتُلقى فيها آلاف المداخلات،.. هدفها الأساسي، بالطبع، حماية المواطن من الغش والتدليس والاستغلال والتلاعب بالأسعار وبيع اللحوم الفاسدة والمواد المنتهية الصلاحية التي يؤدي استهلاكها من قبل المواطن إلى تفشي الكوليرا والطاعون والجرب والحودير وأبي كعب والوتاب وأمطلس القدمين وذات الرئة وذات الجَنْب. وأما أعراضها، فتتمثل بالدوخة وزوغان البصر و(الفرفحة المفاجئة) وانحلال ركب الأخ المواطن ومفاصله وحنكه. إلخ.
بعد انتهاء الاجتماعات، وترديد الشعارات، يخرج عشرات الألوف من المجتمعين من اجتماعاتهم، ويركبون ألوف السيارات التي يدفع الأخُ المواطنُ ثمنَها وثمنَ بنزينها وأجورَ إصلاحها من حُرِّ ماله ومن قوت عياله، ويخرجون إلى الأسواق والمناطق الصناعية والتجارية وهم مصممون أن يلعنوا سنسفيل كل من تسول له نفسه أن يتعدى على الحياة المعيشية للمواطن، وأن يحرقوا نَفَس كل بائع حبوب أو خضرجي يُقدم على فرش بضاعته على الرصيف المخصص في الأساس ليدوس عليه المواطن، ويضربوا بيد من حديد كل سائق سيارة يزمر فيؤذي بزموره مشاعر الأخ المواطن!..
يركب هؤلاء السادة السيارات التي يدفع المواطنُ تكاليفَها الباهظة، ويعتقدون أن المُزارعين والتجار والباعة وأصحاب المشاغل الإنتاجية الصغيرة هم الذين يستغلون المواطن ويرفعون في وجهه الأسعار، ولذلك يذهبون لمصادرة أعمالهم وأموالهم وبضائعهم وتشميع محلاتهم بالشمع الأحمر.
ولكن الأخيرين يُفهمونهم، مع فنجان قهوة، وكم ورقة نقدية مدسوسة تحت الفنجان، أن القصة (أكبر من هيك)، وأنهم لا يمتلكون فواتير، لأن المواد الداخلة في تركيب مصنوعاتهم أغلبها أجنبية، وليست مستوردة، بل مهربة، وأنهم لم يتعبوا أنفسهم بتهريبها، بل إنها تأتيهم إلى أماكنهم محروسة ومحمية ومعطرة وممسكة!.. وأن البائع الذي يضع بضاعته على الرصيف لا يستطيع أن يضعها إلا إذا دفع لأصحاب العلاقة ما فيه النصيب!.
والسيارة التي تمشي مخالفة يدفع سائقُها ثمن المخالفة للسادة المكلفين بتطبيق قانون السير،... وأن هذه المخالفات والتجاوزات وما يدفعه زيد وعبيد لفلان وعمرو يضاف إلى التكلفة الاجتماعية للسلعة المعروضة أمام أخينا المواطن، وهي التي تؤدي إلى رفع الأسعار في وجهه.
وهذا يوصلنا إلى نتيجة تكاد تكاد حتمية ولا مندوحة منها وهي أنه لا يوجد أحد (آكل هوا) في هذه المعمعة غير الأخ المواطن!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مجموعة "احترامي سيدي المواطن" دمشق 2010