الصحافة المصرية: معركة كرامة
هذه أخطر معركة تخوضها الجماعة الصحافية في مصر، فإما أن تبقى نقابتهم قلعة للحريات وحصنا للنضال الوطني، أو تتحول إلى دار مناسبات، تشبه قاعات أفراح القوات المسلحة، أو تصبح أقرب إلى قسم شرطة أو مركز اعتقال.
تأتي انتخابات النقيب وأعضاء مجلس النقابة هذه المرة، وقد باتت المعركة من الوضوح بما لا يترك مجالاً لأحد للاسترخاء، إذ تكشّر السلطة عن أنيابها، ولا تخفي عزمها الانتقام من النقابة وتركيع مهنة الصحافة، وإسكات صوت الصحافيين الذي تألق في الرابع من مايو/أيار الماضي، معلنا التصدي لمحاولات انتهاك النقابة واحتقار المهنة، وتحويلها إلى خادمة مطيعة في بلاط سلطة الاستبداد.
منذ التظاهرات الحاشدة في محيط النقابة، رفضاً للتفريط في الأرض، والسلطة تشن حرباً همجية على دار الصحافيين، ولم يتوقف الأمر عند اقتحام قوات الأمن للمبنى واختطاف اثنين من المحررين من داخله، بل وإمعاناً في الإهانة وجد النقيب وأعضاء المجلس أنفسهم محالين للقضاء، ليصدر حكم بحبسهم، في رسالة بالغة الوضوح، حد الابتذال، لجموع الصحافيين تقول إن عصر اعتبار الصحافة مهنة محترمة قد مضى، وأضحت الآن جريمة، إذا لم تكن مطيعة ومستأنسة، وصدى لصوت النظام، لا صوتاً للمواطن.
وبالتوازي مع إطلاق جحافل البلطجية للاعتداء على الصحافيين في جمعيتهم العمومية، كان مخطط اختطاف النقابة قد دخل حيز التنفيذ، عندما جيّشوا فرقا من "الصحافيين الشرفاء" للانقضاض على النقابة العريقة، التي كانت قد احتفلت للتوّ بعيدها الماسي، وجاؤوا بمخلفات التطبيع والاستبداد والانحطاط، في مؤتمر انعقد بالأهرام تحت شعار "تصحيح المسار" للإجهاز على استقلال النقابة، بالطريقة ذاتها التي تحرّش بها السادات بالصحافيين الأرازل في خريف غضبه.
ولما استنهضت الجماعة الصحافية طاقات الغضب والتصدي لعربدة السلطة، كان التصعيد، من قبل النظام، ليصبح المطلوب كسر أنف النقابة والمهنة، ورأينا حصارا همجيا على بيت الصحافة، شبّهته في ذلك الوقت بمحاصرة الكيان الصهيوني لمقر المقاطعة في "رام الله" والذي انتهى بالإجهاز على ياسر عرفات، وإعلان وفاة السلطة الوطنية، واستبدال سلطة مطيعة، مطابقة للمواصفات الصهيونية بها.
في ذلك الوقت كان مكرم محمد أحمد، الصديق الوفي للسلطة المستبدة في كل العصور، يرغي ويزبد ويتوعد، وهو يعلن الحرب على النقابة، التي لفظته، كنقيب، فقرر العودة للانتقام، على رأس مليشيات النظام الإعلامية.. مكرم الآن يقود المعركة ضد النقيب يحيى قلاش، ويحشد لإسقاطه، وفرض سيطرة السلطة على النقابة المشاغبة، من وجهة نظرها.
في الماضي كانت السلطة تدخل على خط انتخابات النقابة بسياسة العصا والجزرة، فتعطي بيدٍ مرشح النظام وعود الرفاهة والرخاء لأعضاء الجمعية العمومية، وتمنحه ما يكفي من الرشى الانتخابية، وتمسك في اليد الأخرى عصا الترويع والتخويف والإرهاب. أما هذه المرة فليس لدى السلطة إلا العصا، تشهرها في وجه الجميع، وتخوض معركة فرض نقيب أهرامي، مطابق لمواصفات مكرم محمد أحمد، وتستخدم كل أسلحتها غير المشروعة لإرهاب الضمير الصحافي، وترويعه، والهدف: القضاء على آخر جيوب المقاومة.
وعلى ذلك يصبح التصويت في انتخابات النقابة غداً، الجمعة، محصوراً بين اختيارين: إما لصالح المشروع الوطني المقاوم للتفريط في الأرض، أو مع مشروع آخر، رأس الحربة فيه هو مكرم محمد أحمد، بما يمثله من استبداد وتطبيع وعصف بحرية الكلمة.