بعد عملين سابقين يتناولان قضية تطوّر الخطاب في المشهدين السياسي والفكري العربي، هما "خطاب النقد الثقافي في الفكر العربي المعاصر: معالم في مشروع آخر"، و"المفاهيم الأيديولوجية في مجرى حراك الثورات العربية "، يواصل الباحث التونسي سهيل الحبيّب ضمن نفس التوجّه في عمله "الأزمة الأيديولوجية العربية وفاعليتها في مآزق مسارات الانتقال الديمقراطي ومآلاتها" الصادر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".
يرصد الكاتب، في سياق ما بعد 2011، صعود خطٍ قائم على التيئيس والإحباط، ويرى بأنه يأخذ بالتدريج مكان خطاب تمجيدي سابق طغى على الخطابات السياسية والثقافية العربية في قراءاتها للموجة الثورية العربية.
في مقدّمة كتابه، يتعرّض الحبيّب إلى الآلية الديمقراطية ومؤسساتها، وانتقال الحراك من الجماهير إلى النخب ومفهوم الأيديولوجيا في مقابل مفهوم الثقافة، وفاعلية الأيديولوجيا العربية المعاصرة في المراحل الانتقالية العربية.
بعد ذلك يتصدّى المؤلف إلى مفهوم الثورة في الأيديولوجيا العربية المعاصرة وبراديغمات الصراع المجتمعي بين اليسار الراديكالي والقومييين والإسلام السياسي، ليكشف عن تناقضات في مفهوم الثورة في الفكر الأيديولوجي العربي المعاصر. بعد ذلك، يعرّج الحبيّب على ما يسمّيه بـ "البنية الأيديولوجية للوفاقية العربية" حيث يقف عند التمثّلات والمتخيّلات الاجتماعية التي يستبطنها التفكير الوفاقي العربي المعاصر لا سيما مفهوم الديمقراطية.
في الجزء الثاني، يتخذ الكتاب منحى تطبيقياً حيث يدرس "تمثّلات الثورات العربية الراهنة" في إطار هيمنة المتخيّل الصراعي وضمور المتخيّل الوفاقي مع تشتّت فكرة الثورة بين "ثورة طبقية" و"ثورة هوياتية" وهي نماذج لا تستبطن الأنموذج المجتمعي الديمقراطي (ثورة مواطنين).
أما القسم الأخير من الكتاب، فيدرس "متخيّلات الثورة والديمقراطية العربية" وكيف تجري صراعات المراحل الانتقالية وتقسيم المجتمعات، حيث يدرك المؤلف أنّ أحد أهمّ العناصر الرئيسة المفسّرة للمجريات والمآلات الصراعية التي عرفتها المسارات الانتقالية العربية يكمن في أنّ التعددية السياسية التي مورست عبرها الآليات الديمقراطية في الحكم سارت نحو شكل تعددية الجماعات العضوية العصبوية، ليكشف في ما بعد بأن ما دفع في اتجاه هذه السيرورة الصراعية كامنٌ في الصيرورة السياسية العملية، قبل أن يختم بالحديث عن "منطق الثورة الثانية أو استمرارية الثورة" إذ أن الثورات الأيديولوجية العربية المعاصرة ظهرت بوصفها ثورات على الديمقراطية وضدّها، لا ثورات من أجل التحوّل الديمقراطي.