لا يزال أرشيف مدينة القدس يمدّ الباحثين بمعطيات جديدة حول تاريخها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، سواءً ما يتعلّق بسجلات المحكمة الشرعية والتي تبدأ من النصف الأول من القرن السادس عشر إبّان العصر الأيوبي، أو دفاتر الأرشيف العثماني الذي يوثّق ملكية الأراضي والعقارات.
إلى جانب ذلك، تحتفظ "مؤسّسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية" في ضاحية أبو ديس في المدينة المقدّسة بأكثر من 3800 سجلاً ورثت بعضه عن العثمانيّين، والبعض الأخر يعود إلى فترة الاستعمار البريطاني والعهد الأردني وما بعده، كما تشكلّ الأوقاف والحجج التي تمتلكها عائلات القدس مصدراً أساسياً من مصادر البحث.
بالاعتماد على مراجع متعدّدة، صدر حديثاً عن "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" و"مؤسّسة التعاون" في بيرت كتاب "الأوقاف والملكيات المقدسية: دراسة لعقّارات البلدة القديمة في القرن العشرين"، من تأليف أستاذ الفلسفة في "جامعة بير زيت" منير فخر الدين، والباحث والأكاديمي سليم تماري، وتقديم الباحثة شادية طوقان.
يُسلّط الكتاب الضوء على سمات الحيّز العمراني في البلدة القديمة في القدس، ودلالاته التاريخية والاجتماعية، من خلال معالجة أوضاع أنماط الملكية والوقفيات النذرية والخيرية.
يضمّن الباحثان دراستهما جداول ورسومات بيانية وخرائط توضيحية، بما يشمل أنواع الملكيات ونسبها وحجومها التقريبية، وأوصاف العقّارات واستخداماتها، المستخرَجة من بيانات البحث الأولية، ومن الموارد الأرشيفية والمسوحات الميدانية المعمارية، وهو ما يعزّز فائدة الدراسة للباحثين المتخصّصين في تاريخ القدس، ومدن بلاد الشام بصورة عامّة.
وتقدّم الدراسة نتائج مشروع توثيق الملكية العقارية في البلدة القديمة في القدس، والذي أنجزه "برنامج القدس لإعمار البلدات القديمة" التابع لـ "مؤسّسة التعاون"، ضمن فريق مهني بالتعاون مع دائرة الخرائط في "جمعية الدراسات العربية" في القدس، في إطار عرض السياق التاريخي لمختلف أنظمة الحيازة في فلسطين، في محاولة لفهم تحوّلات المشهد العمراني وسياساته في فلسطين.