بحلول عام 2050، سيتجاوز عدد سكّان العالم تسعة مليارات نسمة، ما يفرض ارتفاع استهلاكهم للطعام بنسبة 70% عمّا هي عليها اليوم، وهو ما يتطلّب إنتاج مزيد من المحاصيل الغذائية، خاصة من الحبوب، بالاستفادة من التطوّر التكنولوجي الذي يؤهّل استصلاح أراضٍ جديدة للزراعة. لكن، هل يعني ذلك أن جميع البشر سيحصلون على حصّتهم من الغذاء؟
الإجابة المتوقّعة تقود بالضرورة إلى تصوُّر سلبي طالما ظلت الفجوة تتّسع بين الشمال والجنوب، واستمرّ وجود وسطاء يحتكرون توزيع الأطعمة على البشر، ويسيطرون على مجموعة من الشركات متعددة الجنسيات، ويتحكّمون في الأمن الغذائي العالمي.
لكن كيف تتناول الفنون هذا الموضوع؟ سؤال سنجد إجابةً عنه في كتاب "سياسة الغذاء"، الذي صدر حديثاً عن "منشورات ستيرتبيرغ" و"مؤسّسة دلفينا" Delfina في لندن؛ إذ يُلقي العمل الضوء على الطريقة التي تواجه بها الفنون القضايا المتعلقة بالأغذية، من خلال دراسات وتأمُّلات وضعها أنثربولوجيّون وفنّانون ومهندسون زراعيّون وناشطون، إلى جانب مقابلات مع عددٍ منهم.
تشير مقدّمة الكتاب، الذي حرّره كلّ من داني بوروز وإيرون سيزر، وسيجري إطلاقه في السابعة من مساء غد الإثنين في "مؤسسة دلفينا"، إلى أن العقد الماضي شهد تكاثراً للفنّانين والتجمّعات الفنية التي تستجوب السياسة والأخلاقيات العالمية لإنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه، والتي تستند بشكل أساسي على انتقاد التجارة العالمية واحتكار الشركات لصناعة المواد الغذائية، وأدبيات الحركات الاجتماعية الناشئة التي تهدف إلى جعل السيادة الغذائية نموذجاً يجري نشره من أجل محاربة الجوع.
يتناول المؤلّفون البنية التحتية لنظم الغذاء العالمية والمحلية، وتأثيرها على التنظيم الاجتماعي، والحلول والبدائل لأزمة الغذاء واستدامة الموارد الأولية والمناخ والبيئة والصحة والسياسة والعلوم والتنوّع البيولوجي والهوية والمجتمع.
يتضمّن الكتاب عدداً من الحوارات، أحدها مع الفنانة الإسبانية أسونسيون مولينوس غوردو التي أقامت معرضها "تراكم بواسطة نزع الملكية" ضمن سلسلة إقامات ومعارض فنية تنظّمها "مؤسسة دلفينا" منذ عام 2014 تحت عنوان "سياسة الغذاء"، والتي تسعى إلى استكشاف مفاهيم الأكل والطبخ كوسيلة لاستيعاب الأحداث المعقّدة واستجواب القضايا الراهنة، ابتداءً بالعولمة وانتهاءً بالنفايات.
قدّمت الفنانة أعمال تجهيز وسيراميك وفيديو آرت تعكس أوجه عدم المساواة الكامنة في نظام الأغذية العالمي، في محاولة للإجابة عن تساؤلات مثل: مَن الذي يقرّر أسعار المواد الغذائية؟ ومن يمكنه الوصول إلى أماكن إنتاجها توزيعها؟ مشيرةً إلى تراكم الملكيات الزراعية بشكل مضطرد لدى نسبة قليلة من الأثرياء.
لا تطرح غوردو المسألة من زاوية الاستغلال القائم ضمن عملية إزاحة مستمرّة تؤدّي إلى إفقار شرائح عديدة في المجتمعات، بل تناقش أيضاً مسألة التهميش الذي يتعرّض إليه الريف، بوصفه مصدراً أساسياً لإنتاج ثقافة الغذاء وتطوّرها عبر التاريخ.
تشترك طروحات الفنانة مع مقالات أخرى في الكتاب، تركّز على أن قضايا الغذاء تأخذ مزيداً من التعقيد في ظلّ خصخصة موارد الري، وحرب البذور بما تمثّله من صراع شرس بين الدول والقوى المهيمنة عليها، وعدم قدرة منتجي الغذاء الصغار والمتوسّطين على الاستمرار في المنافسة، ووصولاً إلى تأثير مسألة الجندر على مستقبل المجاعات في العالم.