قبل مئة عام تقريباً كانت لاتفيا قد أصبحت دولة مستقلة رسمياً، لتصبح لمدة تزيد عن خمسين عاماً جزءاً من الاتحاد السوفييتي. عن هذه البلاد وتاريخها القاسي والمرير كتبت الروائية نورا إكستينا عملها "حليب سوفييتي".
كانت الرواية لدى صدورها حديث الصحافة في لاتفيا، وتصدّرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً وتُرجمت إلى عدّة لغات، وها هي تصل إلى العربية، إذ تصدر قريباً عن دار "ممدوح عدوان" بترجمة ضحوك رقية.
تمتدّ أحداث الرواية ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى سقوط جدار برلين، وموضوعها الأساسي ثلاثة أجيال من النساء، وعلاقة مضطربة بين الأم وابنتها؛ حيث يقوم بناء سرد الرواية العشرين للكاتبة اللاتفية (1969) في فصول تتناوب فيها الأم والابنة.
الأم تعمل متخصّصة في الخصوبة، وتنقلب حياتها رأساً على عقب حين تحاول مساعدة امرأة معنَّفة بلا أطفال تطلب نجدتها، ترفض الشخصية الأم إرضاع ابنتها تقول إن "حليبها مر، حليب سوء الفهم، وقد حميت طفلتي منه".
تتناول الرواية بشكل أساسي آثار الحكم السوفيتي على فردٍ واحد، نتابع ذلك من خلال الشخصية المركزية في القصة، ثم كيف تحرم من مستقبلها المهني، ثم من هويتها وأخيراً من علاقتها مع ابنتها التي تصبح علاقتها بجدتها هي البديل عن علاقة الأم وهذه التي تنفى إلى قرية في ريف لاتفيا، ويتفاقم شعورها بالعزلة.
تلتقط إيكستينا حقبة لا يعرف عنها الكثير سوى من عاشها، وتتحدّث عن النساء الناجيات في ظلّ نظام شمولي رهيب.
الأم شخصية مأساوية منغمسة في الأدب الغربي الذي يعرف بالـ "ساميزدات"، وهي كراسات مكتوب فيها روايات غربية ممنوعة كانت منتشرة في شرق أوروبا لتجنّب الرقابة.
تبدأ حياة الأم وتنتهي خلال الحكم السوفييتي، لكن الأمل لا يكمن الأمل في هذه الحكاية العنيفة في بقاء البنت فحسب، بل في علاقتها مع جدتها التي يجسّد تفاؤلها وكرمها روح وتاريخ لاتفيا، ويكمن أيضاً في الريف حيث الطبيعة والحياة الهادئة ووصف الغابات والحميمية.
يمكن وصف الرواية بأنها حزينة وتحمل مناخ لاتفيا البارد وقسوة ذلك العصر الذي استحضرته الكاتبة بقوّة، وجعلت منه حياً، وكأنه يحدث الآن وهنا.