زارت الباحثة والأكاديمية الأميركية المتخصّصة في الدراسات العربية، ميريام كوك، العاصمة السورية منذ التسعينيات عدّة مرات وأقامت فيها، حيث أصدرت عام 2017 كتابها "الرقص في دمشق" التي تتناول فيها التعبيرات الفنية مثل الكاريكاتير والفنون البصرية والرواية والسينما بعد الاحتجاجات الشعبية وتحلّل مضامينها ورسائلها.
ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" تصدر ترجمة لكتابها "سورية الأُخرى: صناعة الفن المعارض" الذي نشرته في وقت أسبق عام 2007، والذي نقله إلى العربية الباحث السوري حازم نهار.
تعود المؤلّفة إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث القيود التي واجهت الكتاب في ظلّ نظام قمعي لعقود عدّة مع وجود أيديولوجية رسمية تتبناها الوزارات والأجهزة الأمنية، وكان هناك دعم وتشجيع من قبل الحكومة أيضاً للكتّاب والفنانين، لكن الوضع لم يكن متجانساً وكان عليهم أن يكونوا حذرين في ما يكتبوه وتكييفهم للعديد من استراتيجيات البقاء.
كما تسلّط الضوء على سياسات الأسد التي كانت تتيح أحياناً التعبير عن المشاعر المناهضة للحكومة من خلال رعاية أعمال بعض الفنانين والكتاب بقصد تحويل نقد الحكومة إلى سياسة رسمية تهدف إلى تنفيس الاحتقان، ما اضطر بعض الفنانين السوريين المعارضين إلى التأرجح بين الرغبة في انتقاد النظام الدكتاتوري بشكل حقيقي والمخاطرة بسلامتهم والخشية من استخدام النظام أعمالهم الفنية في الدعاية الحكومية.
وتوضّح كيف أن النظام يسمح بإنتاج أفلام ثم لا يعرضها، مثلاً، أو يقيم تلك العلاقة الملتبسة بينه وبين عدد من المثقفين الذين كانوا يستغلون الهامش المتاح لهم لك عبر كتابة تنحو إلى الرمزية في إيصال رؤيتهم النقدية التي قد يعاقبون عليها إذا وصلوا إلى حدود معينة، وكأن هناك خطر وقلق دائمين ضمن هذه المساحات.
يتضمّن الكتاب مقابلات أجرتها كوك بين خريف 1995 وربيع 1996، مع فنانين وأدباء سوريين معارضين، راسمة مشهدًا فنيًا سوريًا هيمنت عليه أسماء أساسية مثل محمد الماغوط ومحمد ملص ونادية الغزي وكوليت خوري وإلفة الإدلبي وغادة السمان وممدوح عدوان وسعد الله ونوس وغيرهم.
تشير الباحثة إلى أن بعض الكتاب لم يستطيعوا تحمّل القيود آنذاك وتركوا البلاد، إما مؤقتاً مثل الروائي هاني الراهب (1939 – 2000)، أو بشكل دائم مثل زكريا تامر (1931)، بينما بقي آخرون صامتين أو يواجهون السجن أو مضطرين للتفاوض على موقفهم، مقابل آخرين كانوا مؤيدين على نحو أو آخر للسلطة التي توفّر العلمانية وحقوق المرأة والتعليم ولم يكن لديهم نزاع مع النظام.
يتألف الكتاب من مقدمة للمترجم بعنوان صناعة الفن الحر، يتناول فيه مسائل الفن والحرية، وهدف الفن ووظيفته، والفن والثورة، ومقدّمة للمؤلفة تسرد فيها سيرة مختصرة لتاريخ سورية حافظ الأسد، وثمانية فصول هي: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، وأدبنا حبيسُ الوطن، ولا شيء اسمه أدب النساء، وانتقاد بالتكليف، وعُروض معارِضة، وتصوير أحلام، وخَفِّف الوطء، والرحيل من دمشق.