بعد أن بدأ الكاتب الإيرلندي صاموئيل بيكيت (1906-1989) الشاب في قراءة الروائي الفرنسي مارسيل بروست، وجَد أن الأخير يشير باستمرار في بعض مراسلاته وأعماله إلى الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، فبدأ بدوره في العودة إلى بعض كتبه، ليصبح من يُعرف بالفيلسوف المتشائم أحد أهمّ المؤثّرين في منظوره للعالم والكتابة.
كان شوبنهاور يتحدّث في واحدة من مقالاته الطويلة عن الـ Quietism "الهدوئية"، وهي طريقة صوفية مسيحية تعود إلى القرن السابع عشر، مفادها أن على الإنسان أن يصمت حتى من الداخل وأن يعيش حالة من العجز المطلق تجاه القدر وحدوث الأشياء من حوله، وأن عليه أن يصمت حتى أفكاره، وقد تأثّر بيكيت كثيراً بهذه الطريقة، وبدأ يستخدم تعبير الهدوئية بكثرة لا سيما في مراسلاته لأقرب الناس إليه.
الناقد الأكاديمي البريطاني أندي ويمبوش، أستاذ أدب القرن العشرين والأدب المعاصر في "جامعة كامبريدج"، قرأ رسالة من بيكيت الشاب لصديقه يقول فيها إنه يعيش حالة متطرّفة من الهدوئية، فبدأ ويمبوش في البحث عن أثر هذا المذهب الصوفي في أعمال بيكيت الروائية على وجه الخصوص، ونشَر عنه كتابه "صامت" الصادر مؤخراً عن دار "إيبيديوم" الألمانية.
يجادل ويمبوش بأن "الهدوء" كموقف فلسفي وديني من التنازل والإرادة هو مفتاح لفهم رؤية بيكيت الفنية، وتطوير مسيرته ككاتب منذ رواياته المبكرة "أحلام امرأة عادية" و"ميرفي"، وحتى النصوص القصيرة المتأخّرة مثل "صحبة" و"حركات ثابتة" (آخر ما نشر).
باستخدام أعمال بيكيت المنشورة والأرشيفية من مراسلات ويوميات ومقابلات، يوضّح الكتاب كيف استخلص بيكيت فهمًا للهدوء من أعمال آرثر شوبنهاور، وسيوران، وتوماس مان، ودوستويفسكي، وأندريه جيد وكان هذا الأخير الأقرب إليه، قبل تحويلها إلى جمالية من شأنها أن تحرّره من التقاليد الأدبية القوية لواقعية القرن التاسع عشر والحداثة العالية في أوائل القرن العشرين.
يقول ويمبوش إن الهدوء كان لبيكيت انشغالًا مدى الحياة شكل وجهات نظره حول الفن والعلاقات والأخلاق وحتى مفاهيم الخلاص. لكن الأهمّ من ذلك كلّه، أنها عرضت على بيكيت طريقة للتخلّي عن السلطة التأليفية والكتابة من موقف العجز والجهل وعدم الاتساق.
سبق للمؤلف أن أصدر عدّة أعمال حول أدب صاحب "غودو" وعلاقته بالدين والفلسفة والإيكولوجيا والحداثة والجماليات والأدب واللاهوت، من بينها "مكتبة صاموئيل بيكيت"، و"بيكيت والحداثة"، و"بيكيت: تشريح ثورة أدبية".