"الخصوصية هي الحرية" .. هذه الجملة هي التي دفعت إدوارد سنودن إلى فضح وكالة الأمن القومي الأميركية بتجسسها على ملايين المواطنين الأميركيين، باستنساخها نموذجاً أمنيّاً لمراقبة العراقيين بعد احتلال العراق، وتعميمه على الجميع... ليصبح جميع المواطنين الأميركيين تحت المجهر .. ومن ثم انتهاك الخصوصية البشرية لما أمكنها من سكان العالم أجمع. فيلم وثائقي يعيد الكثير من الأمل بانتصار الرجال للمبادئ والأخلاق فقط، بعيداً عن مصالح الحكومات.
التوتر حاضر في كل مشهد تماما كما هي حياتنا المربوطة "أون لاين" .. حيث صار من البديهي أن الإنترنت مراقب .. بل الحقيقة التي تتحول إلى بديهية مسلمة وحاجة أن الإنترنت ليس وحده، بل كل مساحاتك الخاصة ومعالم حياتك، متنازل عنها للأمن الذي يراقب كل انفعالاتك الحالية والمستقبلية ويخترقك من كل ثقوب حياتك بحجة أمنه.
الحقائق الرهيبة التي ستعرفها من الفيلم، أو حتى إن بحثت قليلا خارج الفيلم ستجعلك تفهم العالم أكثر .. مبدأ الحكومات الجديد أن "مارس حريتك، إلا أنني سأراقبك" معودة الشعوب أنه من البديهي أن يكون الإنترنت مراقباً .. وهنا كان التمرد أن لا تنازل عن حياتي الخاصة ومساحاتي الشخصية، أنا والآخرين، وفي موقف سنودن درسٌ وموقفٌ مشرف للروح الإنسانية الحرة.
الأمن أم الخصوصية؟
"أي شعب .. أي بلد .. يُبجل الأمان الجسدي فوق القيم الأخرى سيتخلى في نهاية المطاف عن حريته ويوافق على أية صلاحيات استولت عليها السلطة مقابل الوعد بالأمان المطلق.
لكن الأمان المطلق وهمي .. يُبتغى ولكنه لا يُنال أبدا. وابتغاؤه يحط من قيمة أولئك الذين يسعون وراءه ، إضافة إلى أي أمة تصبح مُعرفة به". (الصحافي جلين جرينوالد .. من كتابه "لا مكان للاختباء").
"الفكرة الرئيسية من اهتمامي بخصوصيتي، هي الفكرة القديمة: "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة". هي الفكرة التي تجعلني أريد أن يكون تعاملي مع السُّلطة التي تدير بلدي، تعامل الند للند، وليس تعامل العبد للسيّد. هي الفكرة التي من خلالها أستطيع أن أقول: أنا مواطن أحترم البلد الذي أعيش فيه، ويحترمني".
"أنا لست بطلاً ولا أريد أن أضحي .. ولكنني أعتقد أن تجربتي الإنسانية يجب أن تحتوي على درس مفيد للخصوصية".
إدوارد سنودن
- موقف الصحافي النموذج، روبرت جرينوالد، والذي عُرف بكتاباته المعارضة لسياسات التنصت والمراقبة غير القانونية التي انتهجتها الولايات المتحدة ووكالاتها الاستخباراتية بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بأمر مباشر من الرئيس الأميركي، وقتها، جورج بوش، وقف الصحافي موقفاً شجاعاً ولم يحقق سبقاً صحافيا باستعجاله تحقيق شهرة شخصية بل بانتصاره للمبدأ واحترام علاقته مع سنودن حتى آخر لحظة .. بتنا نشتاق لهذا النوع من الصحافيين الأحرار حتى أننا اقتربنا من نسيانهم وسط مهرجان التطبيل العربي المتعصب .. وكله باسم الصحافة.
- التصرف الحكيم والمسؤول من قبل سنودن بالمعلومات، التي حصل عليها، إذ لم يكن الهدف فضح الحكومة أوالانتقام من مكان عمله بنشر أسماء أشخاص مثلا، قد يترتب عليها اغتيالات وفوضى، بل أصر على وضعها فقط على المسار الصحيح الذي يحترم خصوصية المواطنين.
الأجزاء الرئيسيّة في هذا الفيلم مُصوَّرة في غرفة داخل فندق. وبداية الفيلم مقدّمة عامّة وجيّدة عن قضية مراقبة وكالة الأمن القومي الـNSA والـFBI لعملاء شركات الاتصالات، ولا أنفكُّ أذكّر نفسي بأن هذا الفيلم حقيقي وليس تمثيلاً .. تبّاً .. الفيلم فاز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي للعام الحالي، وهذه الجائزة لها مدلول رمزي جداً أن تقدم جائزة بهذا الثقل لشخص ارتكب جرائم تهدد الأمن القومي .. إلا أنه فيلم حقيقي جدا ومهم جدا ويستحق، بمعزل عن الأوسكار، .. مشاهدتك إيّاه.
ما أراده سنودن تحديداً من موقفه هذا هو أن يُعلمّنا أننا لسنا ضعفاء، وأننا يوماً ما قد ننال حرية التعبير الحقيقية، حيث لا يوجد "الأخ الأكبر" ليراقب كل ما نراه ونفعله.
(فلسطين)