كثيرة هي اليوم مشاريع مراجعات تاريخ البشرية برمّته، مراجعات على أساس غلبة عنصرية الرجل الأبيض على السرد التاريخي المكرّس، وهيمنة النظرة الذكورية على حقول الأدب والفن والعلم، ناهيك عن المراجعات على أساس حقوق الأقليات والطبيعة والأجيال المقبلة.
كل منطلقات هذه المراجعات تعود إلى مفهوم واحد هو "النسبية الثقافية"، والذي أطلقه عالم الأنثروبولوجيا الألماني الأميركي فرانتز بواس منتصف القرن الماضي وأسس به المنهج العلمي الجديد لممارسة هذا التخصّص الذي كان بؤرة المركزية الأوروبية وتحوّل إلى فضاء لمحاربتها، أو على الأقل لمراجعة مقولاتها.
في كتابه "إعادة اختراع البشرية"، يعود تشارلز كينغ إلى شخصية بواس، ويضيء كيف تبلور عنده مفهوم النسبية الثقافية، ولكنه لا يقف عند ذلك؛ حيث يذهب بحثه إلى تطبيقات أفكاره لدى الأنثروبولوجيين الجدد، من أمثال مارغريت ميد، وكارا ديلوريا، وزورا نيل هورستون.
يحمل الكتاب الذي صدر أول مرة في 2019، وصدرت مؤخراً نسخته الفرنسية عن منشورات "ألبان ميشال"، بترجمة أوديل دومانج، وقد أضاف له الناشر الفرنسي عنواناً فرعياً: "كيف غيّرت بعض العقول الثائرة العرق، والجنس، والجندر في القرن العشرين"، وكأن مؤلفه يقول من خلال ذلك بأن تغيير رؤى هذه المعارف قد أوصلنا إلى ما يسميه "إعادة اختراع البشرية".
يقدّم الكتاب أطروحة مفادها أن المفاهيم يمكنها أن تغيّر العالم، ذلك الطموح الذي تخلّى عنه الفلاسفة رغم تشديد كارل ماركس عليه باعتباره المهمة الأساسية للفلسفة بعد القرن التاسع عشر. في كتاب "إعادة اختراع البشرية"، يبدو أن الأنثروبولوجيين هم من التقط رسالة صاحب "رأس المال".