لا يمكننا أن نقول إن اللغة العربية تقسو على تاريخ كامل من الفنّ التشكيلي حينما تصنّف تلك اللوحات التي تصوّر الجمادات والأشياء تحت خانة "الطبيعة الصامتة"، وهي في تسميتها الحيادية هذه بعيدةٌ كلّ البعد عن اللغة الفرنسية، التي تسمّي هذا النوع الفنّي "طبيعةً ميّتة".
في عام 2020 أصدرت مؤرّخة الفنّ الفرنسية لورانس برتران درولياك كتاباً بعنوان "كي ننتهي من الطبيعة الميّتة"، وهو عملٌ ينطلق من التسمية "الظالمة" والمفارقة ــ في الفرنسية ــ لنوع من الفنّ عُرف، على العكس، بإحيائه لما قد يبدو دون حياة.
"الأشياء"، هو عنوانُ معرض تُشرف عليه درولياك ويحتضنه متحف "لوفر" في باريس منذ الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري ويستمرّ حتى الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2023، ويهدف إلى إعطاء صورة بانورامية حول هذا النوع الفنّي الذي يبلغ عمره عمر فن التصوير نفسه.
ينتمي المعرض إلى ما يُعرف بـ"معارض المؤلّفين"، أي تلك التي يقترح القائمون عليها وجهة نظر معيّنة إلى حقبة أو موضوعة فنّية معيّنة، دون الالتزام بالشائع و"الموضوعيّ" حول هذه الحقبة أو الموضوعة.
وهنا، تقطع النظرة التي تقترحها مؤرّخة الفنّ الفرنسية تماماً مع الأفكار المسبقة حول "الطبيعة الصامتة"، التي لطالما اختُصرت بعدد قليل من اللوحات المشهورة، وبكونها تقليداً ثانوياً في تاريخ التصوير الفنّي.
يشمل المعرض لوحاتٍ وأعمالاً فنّية تمتدّ على عدّة قرون، منذ التصاوير البدائية وحتى عدد من الفنانين المعاصرين، مثل البريطاني غلن براون (1966)، مروراً بفان غوخ ومانيه وسيزان ومارسيل دوشان وغيرهم.
ويحسب الزائر الذي يشاهد الأعمال المعروضة وكأن الطبيعة الصامتة تتحدّث؛ حيث يتجاوز المعرض بعض اللوحات الأكثر شهرة ــ مثل لوحة بول سيزان "طبيعة صامتة وجمجمة" ــ إلى أعمال أكثر حيوية واحتفاءً باللون وبتنوّع "الأشياء" التي تصوّرها، مثل لوحة "طبيعة ميّتة وثمار بطّيخ أحمر" لـ لويس إيجيديو ميلينديس، أو "صحنُ كرز، وخوخ وبطّيخ أصفر" لـ لويز موالون، أو مثل لوحة أكثر معاصرةً لنا، هي "هزل" (2008) لـ غلن براون.
نقرأ في بيان المعرض: "يسمح تصوير الأشياء ــ الذي نجد آثاراً له منذ مرحلة ما قبل التاريخ ــ بالقيام برحلة استثنائية في تاريخ الفنّ. فالفنانون كانوا، في الواقع، أوّل مَن أخذوا الأشياء على محمل الجدّ. لقد اعترفوا بوجود هذه الأشياء وأعادوا إليها الحياة والاهتمام عبر العمل على أشكالها، ومعانيها، والسلطة التي تكمن فيها، وكذلك سحرها".