كثيرة هي المفاهيم التي تتغلغل في حياتنا من دون أن نجد لها أثراً موازياً في الدراسات النظرية، ومنها مفهوم الثقة. موضوعٌ تناوله الباحث أولي لاغرسبيتز في عمل بعنوان "الثقة والأخلاق والعقل البشري"، وقد صدرت نسخته العربية حديثاً عن منشورات "ابن النديم" و"دار الروافد الثقافية" بترجمة مصطفى سمير.
يرسم الكتاب تاريخ الثقة كمبحث علمي، حيث يشير المؤلف إلى أنّها غابت عن الفكر الفلسفي القديم، وكان أول من انشغل بها هم علماء الاجتماع، لكنّه يحدّد عام 1986 كنقطة انطلاق البحث جدّيّاً في الثقة، حين صدر مقال علمي لـ أنيت باير بعنوان "الثقة ومضادات الثقة".
بالتدريج، دخلت عدّة مجالات في محاولة التنظير للثقة، لنجد ليوم مساهمات في علم النفس والعلوم السياسية، وهو ما أنتج تباينات في تعريف المفهوم: هل هو ظاهرة نفسية فردية، أم تراه مرتبط بالتأهيل التربوي وتجارب الحياة ومنظومة المعتقدات.
من جهته، يرى لاغرسبيتز أنّ الثقة ميزة بشريّة متمّمة للميزة العقلية ومرتبطة بالأخلاق بشكل عام، وهو يسائل معنى الثقة بأدوات لودفيغ فيتغنشتاين ويضع المفهوم أمام اختبار العقل الهوبزي من خلال معضلة السُّجناء، كما يقاربها من منظور نظرية الألعاب ومفاهيم المخاطرة والرهان والمصلحة والائتمان والمصداقيّة.
يضمّ الكتاب سبعة فصول هي: "الثقة ومشاكلنا معها"، و"الثقة والعقل الهوبزي"، و"الائتمان والقابلية للطعن"، و"الثقة والبعد الزمني"، و"الثقة بوصفها أداة تنظيم"، و"التواصل، الصادقية والثقة"، و"الثقة الأساسية".