أقام "مهرجان زيت وزعتر للفن والثقافة الفلسطينية" ندوة افتراضية أمس تحت عنوان "الصمت والكلمات: معنى كتابة وقراءة الأدب الفلسطيني اليوم"، وأدارت الندوة الباحثة الأكاديمية روث أبو راشد، وشاركت فيها الأكاديميات رفقة أبو رميلة، أمل عقيق، ونورا بار.
استكشفت الندوة الطرق المبتكرة التي يمكن من خلالها قراءة الصمت في الأدب الفلسطيني، ولماذا يعتبر الصمت موضوعاً حيوياً للنقد المعاصر وما يمكننا سماعه أو رؤيته عندما يتحدث الأدب الفلسطيني بشروطه الخاصة.
غطت الجلسة مجموعة من الموضوعات الهامة المتعلقة بالأدب الفلسطيني: سياسة الصمت الإبداعي في الأدب الفلسطيني بعد عام 2000 والإنتاج الأدبي؛ طرق مبتكرة كتب بواسطتها الكتاب الفلسطينيون وأعادوا كتابة القصص. كيف يمكن قراءة شبكات التضامن والأمل المختلفة على أنها تتحرك عبر حدود وأزمنة وأماكن مختلفة من خلال الأدب.
الباحثة رفقة أبو رميلة تناولت مشروع Palread، وهو مشروع رقمي يسعى إلى رسم خريطة لقصة الأدب الفلسطيني، وهو مموَّل من الاتحاد الأوروبي. بدأ أبو رميلة بعرض شعار المشروع الذي صممه الفنان الراحل كمال بلاطه، موجهة تحية إليه وإلى شريكة حياته ليلي، قبل أن تتوسع في شرح ماهية الموقع المزمع إطلاقه وطبيعته وأهميته.
قالت أبو رميلة، صاحبة مبادرة "بالريد" وفكرة المشروع إنه "يهدف إلى متابعة تحولات الأدب الفلسطيني من عام 1948 إلى الوقت الحاضر"، فقصة الأدب الفلسطيني "تشبه قصة ملايين اللاجئين والمنفيين من اقتلاع وانعدام الجنسية والتشرذم".
بالريد مشروع إنه يهدف إلى متابعة تحولات الأدب الفلسطيني من عام 1948 إلى الوقت الحاضر
الأدب الفلسطيني اليوم ليس كأي أدب آخر. فهو أدب موجود في أميركا اللاتينية وأوروبا وأميركا والعالم العربي وغيرها من مساحات العالم، من هنا ترى أبو رميلة أن هذا يثير أسئلة من قبيل "كيف يمكن أن تجمع الأجزاء المتناثرة من القصة الفلسطينية معاً في كل متكامل؟ وكيف يمكننا معالجة تاريخ الفقد والصمت والثغرات".
المشروع محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة من خلال بناء مورد رقمي مع قاعدة بيانات تفاعلية تجمع كل ما هو موجود عن الأدب الفلسطيني ومساراته، وما ضاع من قصص منه وما فقد. تتساءل أبو رميلة بعد اطلاعها على عدد من المشاريع الرقمية التي تتناول التاريخ والفن الفلسطينيين بشكل أو بآخر: "ما الذي يمكن أن يقدمه الفضاء الإلكتروني والعرض الرقمي للاجئين؟".
عندما يتعلق الأمر بتطوير جدول زمني فاخر للأدب الفلسطيني، للقيام بذلك من طريق صنع الأدب، ستعتمد نقطة البداية على الخط الزمني على الأحداث التي تظهر من داخل قصة فلسطين عملياً ، سيسمح لنا جدول زمني رقمي بالتصغير لرؤية الصورة الأكبر لإجراء اتصالات جديدة أبعد من التأسيس، وكذلك تسليط الضوء عليها وعرضها.
كوّن مشروع "بالريد" منصة من البيانات والمعلومات خاصة به عن الأدب الفلسطيني، وصنّفها تبعاً للتسلسل الزمني، بحيث يكون الأدب هو منطلق الزمن، وليس العكس.
مثلاً، يجري تصنيف الأدب الفلسطيني المقاوم بدءاً من عام 1948، ويجري تسليط الضوء على إصدارات وأحداث أدبية محددة، ويجري ربط الأدباء أيضاً بالمجلات التي كان الروائيون والشعراء يشرفون عليها.
في الموقع أيضاً خريطة تفاعلية لمسارات الأدب الفلسطيني عبر العالم العربي، ثم العالم. إلى جانب تخصيص قسم يتناول دور النشر الفلسطينية، منها دار الفتى العربي التي أطلقتها منظمة التحرير الفلسطينية، وجرى بناء خريطة للكتاب العرب الذين تعاملوا معها. ويتيح الموقع أيضاً خرائط تتبع سيرة حياة الكتّاب الأبرز في الثقافة الفلسطينية؛ أين عاشوا وأين تنقلوا وأين نشرت كتبهم.
بدورها، تحدثت الباحثة والأكاديمية أمل عقيق، حيث قدمت مداخلة بعنوان "كتب كبيرة/ كتب صغيرة: توثيق قصص العنف الكولونيالي في فلسطين"، التي بدأت بقصتين حول العقبات التي واجهتها كباحثة فلسطينية، الأولى كانت في جامعة تل أبيب حيث كانت تعد رسالة الماجستير حول قصيدة ليزا سهير مجاج، التي تتناول فيها مذبحة دير ياسين، فطلب منها أحد المشرفين عليها دليلاً علمياً على وقوع المذبحة، وبعد أخذ ورد استعانت الباحثة بمؤرخ إسرائيلي ليعطي دليلاً أكاديمياً على وقوع المذبحة.
وتذكر واقعة أخرى بعد حصولها على الدكتوراة، وأرادت أن تلتحق ببرنامج أكاديمي للزمالة في ألمانيا وتقدمت بمشروع يناقش أدب مذبحة كفر قاسم التي وقعت عام 1956، وبالفعل طلب منها تقديم دليل أكاديمي وتاريخي موثوق على وقوع المذبحة، وقدمت الباحثة مرة أخرى شهادة مؤرخ إسرائيلي على وقوعها، إلى جانب شهادة شفوية ممن شهدوها، ولكنها لم تحصل على الزمالة.
تعتبر الباحثة أن الفعلين كانا بهدف "الإسكات"، وأنها اضطرت إلى استخدام مؤرخين إسرائيليين لإثبات المذبحتين، واعتبرت أن ما يحدث هو الحاجة إلى دليل علمي للحديث عن مجزرة.
الباحثة نورا بار، قدمت بحثها عن تمثيلات الصدمة في الأدب الفلسطيني، تحت عنوان "فرض الصمت". وتناولت كمثال رواية "البحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا، التي يرتبط فيها الكاتب مباشرة مع المفهوم الفرويدي للصدمة والاغتراب، خاصة أنها رواية كتبت بعد النكسة، وموضوعها هو اختفاء الشخصية الأساسية من دون تفسير منطقي، وتقوم الرواية على محاولة العثور عليه ولماذا اختفى وأين. أبرزت الباحثة أمثلة من داخل نص جبرا تتفق مع النظرية الحديثة للصدمة، وما يمكن أن تؤدي إليه.