بين 1925 و1939، ظهرت أجزاء "الموسوعة الفوضوية" التي حاول فيها الصحافي الفرنسي سيباستيان فور (1858-1942) التوثيق لكل ما يدور حول مفهوم الفوضوية من مدارس تتفرّع عنها وشخصيات تنتمي إليها وأحداث وقعت تحت يافطتها.
اعتنى فور بشكل خاص بالروافد الفكرية للفوضوية، ولم يكن يعلم أن الجزء الذي خصّصه لفهم مرجعيات الفكر الفوضوي سيصبح مثل موسوعة صغيرة للفكر الخارج من دوائر المكرّس والمألوف، حيث أن الفوضوية ليست سوى فرضية ممكنة من بين احتمالات متعددة للتحرّر الفكري والروحي.
تحت عنوان "الفكر الحر"، أصدرت منشورات "ليزيدسيون ليبرتار" مؤخراً ذلك الجزء من الموسوعة الفوضوية الذي جمع فيه فور مرجعيات الفوضويين، مقدّمة هذا العمل باعتباره "موسوعة موازية" يمكن قراءتها بشكل منفصل عن المشروع في مجمله.
اقتطاع الجزء من الكل (قرابة مئة صفحة من بين 3000 يضمّها العمل الأصلي) له مبرّراته التي يستمدّها من الواقع اليوم، فالفوضوية كمدرسة فكرية شهدت الكثير من التراجع وحتى إذا كانت العديد من الحركات والشخصيات الفكرية تستمد منها مقوّماتها إلا أن استعمال مفردة الفوضوية بات في الحد الأدنى بشكل لافت.
بفضل موسوعته، جرى اعتبار فور أحد أبرز أسماء الفوضوية في فرنسا، لكن المؤرخين كانوا يتحفّظون دائما من استعمال كلمة المفكّر أو المنظر في خصوصه، دون تقليل من قيمته حيث يعتبر حد أكثر من يوصل الفكر الفوضوي إلى عامة الناس، وقد كان إشعاعه نابعاً من محاضراته التي كان يجوب فيها فرنسا مثل عمل دعويّ للفكر الفوضوي، كما عُرف فور بأنه كان وراء الكثير من المنشورات ضمن صحافة الموقف.