تمثّل "دراسات الهجرة" أحد أنشط الحقول المعرفية اليوم. وقد تزايد هذا النشاط في العقد الأخير مع بروز ظاهرة الهجرة السرية بين ضفّتي المتوسّط، الجنوبية والشمالية، ومع موجة الهجرة السورية إلى أوروبا، ما يعني أن هذا التنشّط قد تمّ ضمن أجندة بحث أوروبية، على الرغم من كون الهجرة تمثّل موضوعاً حارقاً في البلاد العربية، غير أن الأبحاث والدراسات التي تنتج ضمنها لا تكاد تصل إلى دوائر جماهيرية واسعة.
منذ أيام، أصدر الباحث المصري أيمن زُهري نسخة إلكترونية من كتابٍ بعنوان "الهجرة، الثقافة، الهوية: حالة مصر"، وكأنّ الأمر يتعلّق بمحاولة للوصول إلى مدى جماهيري لا تتيحه اليوم عروض دور النشر، خصوصاً مع انغلاق الحدود بين البلدان مع انتشار وباء كورونا عالمياً.
يشرح المؤلِّف أسباب عدم وجود انشغالٍ كافٍ بدراسة قضية الهجرة عربياً، فيذكر صعوبة فصل الموضوع عن الجوانب الذاتية، وكذلك تداخل العديد من التخصّصات المعرفية، ناهيك عن التقاء كلّ بحث مع نقدِ توجّهات الدول السياسية.
يأخذ الكتاب أيضاً بُعداً تأريخياً، حيث يعود إلى الحملة البونابارتية باعتبارها قد أدخلت مصر إلى نسقٍ حضاري جديد، ومن ثم يدرس دولة محمد علي وسياساتها في "أَوْرَبة مصر"، وصولاً إلى الاحتلال الإنكليزي وثورة 1919، وهي محطّات تاريخية كان لها دورها في إنتاج السياقات المترابطة مع قضية الهجرة.
وإضافةً إلى ما هو متعلّق بالسياسات العامة، يضيء زُهري الجوانب الثقافية التي تترابط مع إشكاليات الهجرة، ومن ذلك تخصيصه لفصلٍ حول فكر طه حسين، خصوصاً في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، ومنها يصل إلى المراحل الأكثر إشكالية في تناول قضية الهجرة مع النصف الثاني للقرن العشرين ودخول المنطقة منعطفات جيوسياسية أكثر حدة، وهنا يرصد المؤلّف ظاهرة "خلجنة مصر" مع تطوّر الهجرة نجو الدول العربية النفطية.
من مؤلفات أيمن زهري الأخرى: "دفتر أحوال المجتمع المصري"، و"بحر الروم"، و"معجم مصطلحات المقاهي الشعبية"، و"الناس في صعيد مصر: ذكريات طفولة".