يحضر مفهوم الوساطة الثقافية منذ عقدين تقريباً في الأدبيات التنظيرية للممارسات الثقافية، حيث أن الفنون من الأعمال البصرية إلى اللغوية، باتت تمثّل محامل تمرّر معظم ما يصنع وعي الناس، وينبغي فهم ضمنيات هذه المحامل، وأيضاً تشابكها حيث تظهر في الأعوام الأخيرة تعاونات بين مختلف الأشكال الإبداعية مثل الاعتماد على الإمكانيات المسرحية في تمرير المعلومات التاريخية، أو توظيف الموسيقى والصوتيات في الترويج للكتب.
ضمن هذا الانشغال، ينظّم "المعهد الوطني للتراث" في تونس، اليوم وغداً، الدورة الثانية لـ"ملتقى نوادي الحضارات"، وهي دورة تحمل عنوان "الوساطة الثقافية في مجال التراث والحضارات"، وتأتي ضمن مراهنة على تجديد أشكال الوساطة الثقافية في تونس كي تتلاءم مع متغيرّات المجتمع، ولكي تواكب كذلك التطوّرات العالمية في هذا المجال.
من محاضرات اليوم الأول؛ "التراث الثقافي في البلاد التونسية" لـ الباحث مصطفي الخنوسي، فيما تقدّم عزيزة المرايحي، محافظة التراث في "متحف باردو" بتونس العاصمة، مداخلة بعنوان "دور الوساطة الثقافية في تثمين الموروث الثقافي والحضاري".
ومن بقية المحاضرات التي سوف تُقدَّم خلال الملتقى: "الوساطة الثقافية كآلية لتثمين التراث والإسهام في التنمية المستدامة"، و"تجربة المتحف الوطني بباردو في مجال الوساطة الثقافية" وكلاهما تقدّمه كريمة العرفاوي، و"المرجعية القانونية لإحداث نوادي الحضارات أبرز أنشطتها" لـ شادية الطرودي.
يقترح الملتقى في نهايته مشروع صياغة تصوّر لطرق تجسيد سياسات الوساطة الثقافية، وذلك بناءً على نتائج ورشة تديرها الباحثة في السياسات الثقافية عفيفة المسعدي. ومن الملاحظ أن التظاهرة تكتفي بالمجال المتحفيّ في تثمين التراث عبر أدوات الوساطة الثقافية في حين أن طيف استخداماتها أوسع حيث ينفتح على مختلف قطاعات الفنون والإعلام، ولعلّ هذه الأخيرة أكثر فاعلية وقدرة على الوصول إلى الناس.