عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر العدد الثامن والثلاثون (خريف 2021) من دورية "تبيُّن" التي تعنى بالدراسات الفلسفية والنظريات النقدية، وضمّ دراسات قاربت قضايا المجتمع المدني والبحث العلمي والصحّة والإيتيقا وغيرها.
"المجتمع المدني والدولة في الجنوب الكبير: ما القيمة المضافة لكتاب ’المجتمع المدني: دراسة نقدية‘ في دراسات الجنوب الكبير؟" عنوان دراسة محمد حمشي التي تبرز أن القيمة المضافة لكتاب "المجتمع المدني" لعزمي بشارة تكمنُ في نقد النزعات الاختزالية لمفهوم المجتمع المدني، والكشف عن قصورها عن إبراز قدرةِ المجتمع المدني التفسيريةِ ومفعوله النقدي ووظيفته الديمقراطية أيضًا، إذ يبيّن كيف ارتحل المفهومُ من كونه متطابقًا مع الدولة حين كان مقابلًا للمجتمع الطبيعي، مرورًا بكونه فضاءً وسيطًا ما بين الفرد والدولة والسوق، وصولًا إلى ما آل إليه من تشويهٍ بعد أن صار يعبِّر عمَّا هو ليس الدولة، ومتطابقًا، من ثَمَّ، مع ما هو غير سياسي.
ويناقش سهيل الحبيب في دراسته "’دولة جميع المواطنين‘: من التغييب الأيديولوجي إلى مخاضات التشكّل في سياق ما بعد الثورات العربية" إشكالية المفارقة بين مفهوم الديمقراطية ومفهوم الدولة المواطنية في "التفكير" الأيديولوجي العربي المعاصر والراهن السائد، وكيف انعكست هذه المفارقة في مخاضات الانتقال الديمقراطي التي عرفها شطر من البلدان العربية خلال العشرية المنصرمة.
يتضمّن العدد دراسات حول المجتمع المدني وأخلاق البحث العلمي والصحة والإيتيقا
أما دراسة "منظورية نيتشه النقدية للديمقراطية الحديثة وجمهورها" للمولدي عزديني، فتوضّح أن الفيلسوف الألماني (1844 – 1900) توجّه بالكثير من النقد لا إلى الديمقراطية وحسب، وإنما أيضًا وفي الأساس إلى جمهورها، كما دافع الباحثون مضر قسيس وماهر الحشوة وريتا جقمان في دراستهم "المراجعة الأخلاقية للبحث العلمي: الحاجة إليها وحدودها الأخلاقية في السياق العربي" عن الحاجة إلى إنشاء منظومة سياقية تُجنب العبء الاستعماري والمركزية الأوروبية، وتنطلق نحو منظومة أخلاقية تشكل مكونًا عضويًا في العلم تضمن قيام عملية إنتاج المعرفة بخدمة المجتمع والإنسانية، وتتجاوز علاقات الهيمنة التي لا تزال تكبل إنتاج المعرفة في العالم العربي.
بدوره، يسعى الناصر عمارة في دراسته "الصحّة والإيتيقا: النضج الأخلاقي للممارسة الطبيّة" إلى تحديد المنظور الإيتيقي للصحّة، من أجل الوصول إلى المنابع الأخلاقية التي يتدفّق منها المُعطى الإنساني الذي تتشكّل فيه مادّة الصحّة، بوصفها مكانًا يختفي فيه وَضْعُها الأخلاقي الحقيقي والمعنى الأصلي لما يجب أنْ يكون محفوظًا من صحتنا؛ ما يدفع إلى تفعيل الأسئلة الفلسفية الكاشفة عن ماهية الصحة من وجهة نظر إيتيقية، في مقابل تحليل ظاهرة المرض.
إلى جانب دراستين هما "’المنعطف اللغوي‘ في القرن العشرين: أثره في دراسة التاريخ وعلاقته بفهم مؤرخي الإسلام قبل العصر الحديث لطبيعة اللغة ودورها" لعمرو عثمان، و"فضاءات متعددة، حراكات متجددة: تحولات مفاهيمية وأسلوبية في الفنون البصرية والعمارة في السودان 1980-2010" لشامة الرشيد بابكر.
وتضمّن العدد أيضًا ترجمة لمقالين؛ الأول "استدعاء ابن تيمية لابن رشد في نقده لنفي صفة الجسمية عند فخر الدين الرازي"، لجون هوفر، نقله إلى العربية يوسف مدراري. والثاني "مراحل الأخلاقية والأخلقة: المقاربة المعرفية – التطورية للورانس كولبرغ"، نقله إلى العربية عبد العزيز ركح.
وفي باب "مراجعات الكتب"، وردت مراجعتان؛ الأولى لكتاب "نظام التفاهة" لآلان دونو، أعدّها عبد الكريم عنيات، والثانية لكتاب "حداثات عربية: من الحداثة إلى العولمة" لخالد زكري، أعدها محمد مرشد.
يُذكر أن "المركز العربي" يتيح جميع أعداد الدورية للتحميل المجّاني عبر موقعه الإلكتروني، وتأتي هذه الخطوة من أجل تمكين الباحثين الإفادة منها، في ظل إجراءات تقييد الحركة والعمل والتعلّم عن بعد ومن المنازل، وصعوبة توزيع النسخ الورقية من الدوريات، بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجدّ.