"ثورة الخيّام": كوكبٌ بنصف إضاءةٍ فحسب

08 فبراير 2021
تمثال لعمر الخيام في مدينة أستراخان الروسية (Getty)
+ الخط -

في ثقافتنا العربية المعاصرة، يحتلّ عمر الخيّام (1048 - 1131 م) وضعيّةً غريبةً، أقرب ما تكون إلى المفارقة، تتمثّل في كونه معروفاً أساساً كشاعر من خلال سلسلة قصائده المشهورة بـ"الرباعيات"، والمكتوبة بالفارسية، لكنّه مجهول في كتاباته العلمية رغم وضعه إياها بالعربيّة مباشرةً. 

كثيرة هي ترجمات رباعيات الخيّام إلى العربية، وقليلة هي الكتب التي تُعنى به خارجها. إذ لا نجد ما يشفي الغليل من أعمالٍ تعرّفنا بمجمل منجزه العلمي، أو من تحقيق شامل وافٍ عنها، كما لا نقع على من يتمعّن في سيرته توثيقياً. 

نقف على شيء من هذا الاختلال في تلقّي الخيّام عربياً في عمل للكاتب العراقي عبد الحق فاضل (1911 - 1992) بعنوان "ثورة الخيام"، صدر في القاهرة عام 1951. وعلى الرغم من انتباه المؤلف إلى أن الشاعر ليس سوى نصف الخيّام، إلا أنه حين يقدّمه لنا يعتمد على شعره بشكل أساسيّ، وأكثر من ذلك فإنه يتصدّى إلى محاولة جديدة من محاولات ترجمة رباعياته إلى العربية، ليس هنا موضع تقييمها. 

يتميّز الكاتب بمعرفته بتاريخ الرباعيات، ومن مباحثه في هذا السياق اشتغاله على تمحيص ما هو خيّاميٌّ محض وما هو مُدخَلٌ، وهو يفعل ذلك من خلال عودة موسّعة إلى المراجع الفارسية. لكنّ هذا المبحث يفضي إلى قوله: "أعترف بعجزي عن تمييز رباعيات الخيام ممّا عداها تمييزاً تطمئنّ له نفسي. لهذ أنفض يدي من هذه المهمّة التي تبدو أقرب إلى المحال". ويكتب في موضع آخر: "إن مجموعتي هذه جامعة أكثر منها مانعة". 

يقدّم فاضل تفسيرات لهذه الحالة التي عرفتها الرباعيات، فيلفت إلى أن الخيام لم يكن يتمثّل نفسَه شاعراً، بل عالِماً في مقام أوّل، وبالتالي لم ينشغل بجمع شعره أو حتى العودة إليه بالتشذيب والتهذيب، وهو ما ترك المجال مفتوحاً لمَن يزيد ومَن يُنقِص في نصوصه.

أيضاً، تنافس النسّاخ خلال العصور اللاحقة في جمع الرباعيات، فبات هناك مَن يتباهى بأنه أحاط بأكبر عدد منها مقارنة بمَن سبقوه. نزعةٌ مشابهة نجدها لدى مترجمي رباعيّاته إلى العربية، فكلٌ فرحَ ببضاعته، ومنهم عبد الحق فاضل الذي يشير إلى كون كتابه (المؤلّف من 388 صفحة) قد جمع أكبر عدد من هذه الرباعيات. 

يرى فاضل أنه ينبغي التفريق بين شهرة الخيّام بنظمه الرباعيات وبين شهرة الرباعيات ذاتها خلال حياته؛ ذلك أنه كان حريصاً على ألا يقرأَها إلا على الخاصّة من أصدقائه. يقول فاضل: "أكاد أجزم أنّه كان كتمها على أهل زمانه خيفةً على نفسه من مغبّة ما فيها من خروج على الدين وثورة". هذه الملاحظة الأخيرة تفتح على منطقة واسعة يخوض فيها المؤلّف، وهي عقيدة الخيّام.

ثورة الخيام

بالعودة إلى عنوان الكتاب، سنفهم أن المقصود بـ"ثورة الخيّام" هو تمرّده على رجال الدين في زمنه وخروجه على المتعارف من أشكال التديّن. هكذا، يحصر عبد الحق فاضل معنى ثورة الخيّام في صداماته العقائدية، في حين أن وجوهاً أخرى من ثورة الخيّام بقيت مهملة، لعلّ أبرزها أنه كان ثورةً في العلم، أعاد ترتيب الكثير من المعارف وكان له فيها بعض الفتوحات، وكان ثورةً في النظر إلى الزمن وإلى الكون. غابت هذه الثورات عن فاضل لأنّها غائبة في شعر الخيّام، أي في الجانب المضاء من كوكبه. 

على مسافة سبعين عاماً من صدور هذا الكتاب، هل تغيّرت نظرة الثقافة إلى الخيّام، فصارت أوسع؟ يصعب الإقرار بذلك. لا يزال الظاهريُّ غالِباً في تناوله؛ أي ما في شعره من دعوة للاستمتاع بملذّات الحياة. لكنّ العارف بسيرته سينتبه سريعاً إلى أنّ الرجل كان زاهداً في الدنيا، مشغولاً بعِلمه، يتتبع حركات الأفلاك في سماواتها أو يدرس قوانين العلوم في صُحُفه. كانت حياة الخيّام حياةَ جدٍّ واجتهاد، يمرّ عبرها من حين إلى آخر شهابُ المتعة. ربما تلك هي ثورة الخيّام التي قلّما ننتبهُ إليها.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون