"رفقة عمر: مذكّرات انتصار الوزير (أم جهاد)" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً ضمن "سلسلة ذاكرة فلسطين" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ويتضمّن سيرة ورحلة مؤلّفته مع زوجها المناضل الفلسطيني خليل الوزير (1935 – 1988).
يوثّق الكتاب بدايات تأسيس "حركة فتح"، كما عاشتها أم جهاد واطّلعت عليها، حيث عايشت تحولات ومنعطفات في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية. وهي التي أسّست أوّل خليّة نسائية لـ"حركة فتح"، وتولّت قيادة "قوّات العاصفة" مؤقّتًا. ورحلت وتنقّلت حيثما تطلّب الواجب النضالي، فطبعت البيانات ونقلت الرسائل والسلاح، وشاركت في معسكرات التدريب. توثق أم جهاد كذلك تجربتها في العمل النسائي، وتأسيس "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، وكيف استطاعت المواءمة بين دورها أمًّا وزوجة ومناضلة، وصمودها في جميع المراحل الصعبة، ولعلّ أقساها اغتيال رفيق دربها أمام عينيها.
انتصار الوزير التي تمكّنت من العودة إلى فلسطين في تمّوز/ يوليو 1994، بعد اثنين وثلاثين عامًا أمضتها في الغربة والمنافي، تروي قصّة لقائهما الأول، وهي في الخامسة من العمر، حين ذهبت مع أمّها في عام 1946 إلى الرملة لزيارة عمها إبراهيم الوزير، والد أبو جهاد. فتقول: "مش متذكرة من الرملة غير خليل". إنها عبارة شديدة الكثافة ومجلّلة بالحياء، لكنها ذات أبعاد كاشفة. وفي ما بعد، في غزّة، اعترف لها بحبّه ليتزوّجا في عام 1962. وتعترف: "كنتُ أفتقده وأشتاق إلى رؤيته"، ثم تنثني إلى تذكّر "اللحظات الحلوة التي عشتُها مع خليل"، وتنبش تفصيلات "سعادة اللقاء بعد طول غياب"، بينما كانت رسائلهما تزحم البريد بين غزّة والكويت.
يوثق الكتاب تحولات ومنعطفات في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية
تسرد أم جهاد حكاية الشهيد خليل الوزير منذ وصوله مع عائلته من الرملة إلى غزّة في عام النكبة، وكيف عمل في بيع أدوات الحلاقة على بسطة صغيرة، كالشفرات والمقصّات، ثم انتهى إلى العمل لدى بائع قماش، وما أنْ جمع بعض المال حتى اشترى كاميرا تصوير، وراح يصوّر حياة اللاجئين الفلسطينيين وأطفالهم وخيامهم ويرسلها إلى الصحف ووكالات الأنباء والمؤسّسات الدولية. وهذه التفصيلات جديدة إلى حدّ بعيد حتى على مَن عرف سيرة طفولة أبو جهاد. وتبرز أهمّية هذه المذكرات في أنها توثّق بدايات تأسيس "حركة فتح" كما عرفتها أم جهاد، وهي رواية تُضاف إلى كثير من الروايات الأخرى، بحيث يُصبح في إمكان أيّ مؤرخ حصيف أن يستخلص منها كلّها رواية تُقارب الحقيقة وتقترب ممّا حدث في عام 1959، عام التأسيس السرّي لـ"حركة فتح"، وما تلاه من أعوام، على أيدي عددٍ من الشبّان، أمثال ياسر عرفات وخليل الوزير وعبد الله الدنان وعادل عبد الكريم وفاروق القدومي ومنير سويد وصلاح خلف ومحمد يوسف النجار وسليم الزعنون ومحمود الخالدي وحسام الخطيب، وآخرين تزدحم بأسمائهم صفحات الكتاب.
وسجّلت أيضاً كيف بدأت اجتماعات "حركة فتح" التأسيسية، كما تحدثت عن المشاركة في المؤتمر الأوّل لـ"لاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، ثم عن الهروب من بيروت برفقة أبو عمّار، في أيلول/ سبتمبر 1965، ومن ثم الذهاب إلى دمشق وممارسة النشاط العلني وتأسيس أوّل خلية نسوية لـ"حركة فتح" هناك، وكذلك عن حادثة اعتقال المخابرات السورية أبو عمّار وأبو جهاد إثر حادثة يوسف عرابي ومحمد حشمة في منزل أبو عمار.
وتوقّفت أم جهاد عند حرب حزيران/ يونيو 1967، ثم عند معركة الكرامة في عام 1968، والمؤتمر الثاني لـ"فتح"، ثم أحداث أيلول/ سبتمبر الأسود من عام 1970، وكذلك المؤتمر الثالث لفتح في أيلول/ سبتمبر 1971، وعند دخول العمل الفدائي إلى الساحة اللبنانية، وتوقيع اتّفاق القاهرة في عام 1969، وما تلا ذلك من أحداث واغتيالات، كحادثة اغتيال القادة الثلاثة: أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر في نيسان/ أبريل 1973.
وتحدّثت عن الأيّام الأخيرة قبل الاغتيال وروت بالتفصيل بعض الأحاديث الخاصّة بينها وبين زوجها. وذكرت نوع انشغالاته في تلك الفترة. بعد ذلك بدأت تروي تفاصيل لحظة الصفر: "لم تمرّ ربع ساعة، وبينما كان أبو جهاد يجلس خلف مكتبه، استيقظت على صوت هرولة الأقدام الهمجية وهي تصعد الدرج، بعد أن تمكّنوا من اقتحام المنزل وكسر قفل الباب، كانوا يصرخون صرخة العسكر عند الاقتحام. في تلك اللحظة، أزاح أبو جهاد طاولة مكتبه، وركض مسرعًا نحو الخزانة وأخذ مسدسه، فركضت خلفه نحو مدخل الغرفة وصرت بجانبه وأنا أردّد 'فردان! فردان!'، متذكّرةً ليلة اغتيال القادة الثلاثة: كمال عدوان، وأبو يوسف النجّار، وكمال ناصر. وسط هذا الصراخ، خرجت أنا وخليل إلى باب غرفة النوم، حيث يوجد ممرّ مستطيل الشكل عرضُه متر، يفصله عن ممرّ الطابق العلوي باب زجاجي، كان مفتوحًا حينها، وفوجئنا بأربعة أشخاص ملثّمين بكامل عتادهم العسكري أمامنا. أطلق عليهم أبو جهاد النار، فتراجعوا إلى الخلف. وبسرعة، أبعدني أبو جهاد عنه إلى الزاوية المقابلة، بينما بقي هو في الزاوية الأخرى، عندها، عاد أحد المسلّحين وأطلق عليه النار فأصابه في يده وصدره وقلبه، فوقع مسدّسه من يده وانكسر".
بعد ذلك، تروي أم جهاد طلبها دفن زوجها في سورية، وتفاصيل العزاء وما جرى بعده من لقاءات بقادة عرب، كالملك حسين ومعمّر القذافي وحافظ الأسد، وغيرهم.