في مسار المغنّي الجزائري - الفرنسي رشيد طه، لا تُحيل كلمة "شعبيّ" إلى ذلك اللون الموسيقي الذي شكّل واحداً من مصادر إلهامه وملاعبه الموسيقية فحسب. ذلك أن تجربته الغنائية والموسيقية، منذ تشكيله، مع جمال ضيف ومحمد ومختار أميني وغيرهم، فرقة "بطاقة إقامة" في مدينة ليون الفرنسية مطلع الثمانينيات، وحتى رحيله المبكّر قرب باريس عام 2018 (وُلد في سيق، بولاية معسكر الجزائرية، عام 1958)، ظلّت تجربةً قريبةً من الناس، إنْ كان لناحية المواضيع التي توقّف عندها في أغانيه وألبوماته، أو لناحية حضوره كشخصية عامّة بين الجمهور وبين أقرانه في "الوسط الفنّي".
أسئلة الهجرة، والمنفى، والفقر، وتسمية العنصرية التي يعاني منها المهاجرون، ونقد تعالي السُّلطات والنخَب الحاكمة؛ كلُّ هذه المواضيع شكّلت الخيط الذي انتظمت وفقه مسيرة صاحب "روك القصبة"، الذي لم تُبعده شُهرته الواسعة عن أسئلته الأولى وعن الأماكن التي جاء منها: أماكن المهمّشين، والعمّال، وأبناء الضواحي، والغرباء بشكلٍ عام.
كلّ هذا يجعلُ من حدثٍ يُقام تحيّةً إلى رشيد طه وإحياءً لذكراه في سوقٍ شعبيّ فرنسيّ - أشبه بأسواق الجمعة في بلادنا - أمراً متناسقاً مع ما نعرفه عنه. الحديث هنا عن معرض "روك القصبة: إلى رشيد طه"، الذي افتُتح في الرابع عشر من أيار/ مايو الماضي في "غاليري دوفين" بسوق الخردة والأنتيكا والأغراض المستعملة بضاحية سانت وان الشعبية شمال غرب باريس، ويستمرّ حتى السادس والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري.
صورٌ ولوحات يظهر فيها طه وأعمالٌ أُخرى تحيل إلى تفاصيل من تجربته
المعرض، الذي يشارك فيه ما يقارب الثلاثين فنّاناً وفنّانة من مختلف الحقول الإبداعية (تشكيل، نحت، صور فوتوغرافية، غناء، موسيقى وأداء)، جاء بمبادرةٍ من النحّات الفرنسي فيليب بيران، الذي كان صديقاً مقرّباً من المغنّي الراحل، وهو الذي عرفه في وقتٍ مبكّر من تجربته.
تتنوّع الأعمال في إحالتها إلى صاحب "ديوان"؛ حيث يحضر بشكل مباشر في بورتريه رسمَه التشكيلي روبرت كومبا، وفي صوَر التقطها له كلّ من مارك ـ أنطوان سيرّا وبيار تيرّاسون. على أن الإشارة إليه تبدو أقلّ مباشرةً في صُوَر إنريكو دانيينو عن الحرب في الصومال، وفي أعمال ميريام ميشيتا التركيبية عن الجسد، أو في عملَيْ فيليب بيران عن الجسد أيضاً، وتجهيزَيْ آلان فيغا حول الدين والموت. إلّا أن كل واحدٍ من هذه الأعمال يُحيل إلى تفصيل من حياة الفنّان الراحل أو من تجربته، وهو الذي لم تَغب هذه الأسئلة، أسئلة الحرب، والجسد بوصفها هويّة، وكذلك الدين والاختلاف في الاعتقاد، عن أعماله.
إضافة إلى هذه الأعمال، يشمل المعرض، الذي شهد حفلاتٍ وعروضاً موسيقية استُعيد فيها رشيد طه وأُدّيت فيها أغانيه، صُوَراً ومتعلّقات شخصية للفنّان الراحل، من بينها قبّعته السوداء التي رافقته في العديد من حفلاته، ومعطفه، إضافة إلى غيتاره.