كثيراً ما نلاحظ أنّ جيلاً من الأجيال تكثر فيه أسماء بعينها، فيما تغيب أُخرى كانت متواترة في جيل سابق. هذه الملاحظة على بساطتها ظّلت منفلتة من طاولة البحث العلمي، وهو الموضوع الذي يتصدّى له الباحث الفرنسي باتيست كولمون في كتابه الصادر مؤخّراً بعنوان "سوسيولوجيا الأسماء" (منشورات لا ديكوفيرت).
ينطلق المؤلّف من مجموعة أسئلة إشكالية من بينها: ما الذي يجعل من اسم من الأسماء أقرب إلى تقليعة في سنة معيّنة؟ ما الذي يجعل اسماً يصبح قديماً فينفر منه معظم الآباء؟ ومن أين يأتي هذا الشعور بأن هذا الاسم أو ذلك بات قديماً، واسماً آخر بات يلائم العصر؟
أسئلة لعلّ كثيراً منا قد طرحها بشكل عفوي، أو دارت بذهنه وهو يفكّر في اسم لابنته أو ابنه، ولكن تناوُل البحث العلمي يختلف كثيراً، حيث يعتمد المؤلّف المنهج الإحصائي في تجميع مادة يقارن من خلالها ما يحدث بين جيل وآخر.
مسَح كولمون في كتابه أرشيف الولادات في عدد من المدن الفرنسية، ويشير إلى صعود ظواهر من بينها اسم مثل سارة في نهاية القرن العشرين، والذي يشير إلى أنه اسم ينتمي إلى الثقافتين الحاضرتين في فرنسا اليوم، أما في القرن التاسع عشر فكانت الأسماء تبحث عن تميّز طبقي، فكثرت أسماء أبولين وإيبوليت، لكنها اختفت في القرن العشرين بشكل شبه تام، وظهرت تسميات مثل سينتيا وبريجيت.
هكذا، فإن ما يبدو تقليعة في التسمية يعود في النهاية، بحسب كولمون، إلى ظواهر اجتماعية أكبر متعلّقة بصناعة هوية في الفضاء الاجتماعي من خلال الأبناء، وهؤلاء يتحدّث موقعُهم من خلال الاسم بشكل غير مرئي، وبذلك فإن الباحث الفرنسي يجيب عن سؤال آخر قد يبدو غير علمي بالمرّة، وهو: هل تحدّد الأسماءُ بعضاً من واقعنا.