قام الممثّل المصري الرائد عمر وصفي (1874- 1945) برحلة إلى سورية في عام 1897 بصحبة أستاذه أبو خليل القبّاني، بحثاً عن المطربة ملكة سرور التي كانت تغنّي في حلب، لتنضمّ إلى الفرقة التي أنشأها القبّاني وضمّت فنانين آخريم منهم الممثّلة السورية مريم سماط (1870 – 1950).
نشَر وصفي مذكّراته في مجلَّة "الصباح" القاهرية طَوَالَ العام 1931 في ستِّ وثلاثين حلقة، والتي مثّلت شهادة مهمة على تلك المرحلة الغامضة من تاريخ المسرح العربي، على لسان آخر الأبطال الأحياء من ذلك العهد، الذي لم ينل حظّه الوافر من التوثيق، بينما نشرت سماط مذكراتها في جريدة "الأهرام" عام 1915 بعنوان "التمثيل العربي" في خمس حلقات، والتي تعدّ أوّل مذكّرات لممثّلة في الثقافة العربية.
"سيرة الأجواق المسرحية العربية في القرن التاسع عشر – مذكّرات الممثّلين عمر وصفي ومريم سماط"، عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "منشورات المتوسط" في ميلانو، من إعداد الباحث الفلسطيني السوري تيسير خلف.
يضمّ الكتاب مذكرات ممثليْن عاصرا بداية ظهور الفرق المسرحية المحترفة في مصر
يضمُّ الكتاب المذكّرات الفنية لهذين الممثلين اللذين عاصرا بداية ظهور الفرق المسرحية المحترفة في مصر خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن التاسع عشر، إلى جانب مقدّمتين إضافيّتيْن، توضّحان أهمّيتهما في تاريخ الفن الرابع عربياً.
يكتب خلف في مقدّمته: "وإن كانت مُذكّرات مريم سماط مُختَزَلَة إلى حَدٍّ كبير، فإن مُذكِّرات عمر وصفي أكثر تفصيلًا وإحاطة بتفاصيل تلك المرحلة التَّأسيسيَّة للنهضة الفنِّيَّة التي ترفل فيها مصر منذُ قرن ونصف القرن، بمُساهمة حاسمة من فنَّانين ومُبدعين سُوريِّيْن، فرُّوا من الجَوْر الحَمِيْدِيِّ؛ وَوَجَدُوا في أرض الكنانة جنَّة الحُرِّيَّة التي كانوا بها يحلمون".
ويشير إلى أن أبا خليل القبَّاني اتّفق مع شريكه عبد الرزاق بك على تكوين فرقة جديدة أواخر عام 1894، لتمثّل في مسرح شارع عبد العزيز لأن الملاهي كانت قد انتقلت من جواره، وتكوّنت الفرقة من بنات سماط (مريم وهيلانة وحنينة) وعمر وصفي، والمُطرب الشيخ حسن صالح، وعمر فايق، الاختصاصي في أدوار المُلُوك، واختصَّت بالروايات المُؤلَّفة بدل المُعرَّبة، حيث كانت تمثّل "عنتر بن شداد"، و"وَلَّادة بنت المستكفي"، و"عفيفة"، و"الأمير محمود".
ويوضّح وصفي في مذكّراته كيف شهدت تلك العروض رواجاً كبيراً، حيث يقول: "ما شاهدتُ مثل هذا الإقبال من قبل.. تزاحُمٌ على باب التياترو لا مثيل له، وتعارُكٌ على شُبَّاك التذاكر، وقد تاجر الكثيرون في هذه التذاكر التي كانوا يشترونها من التياترو ويبيعونها بأضعاف ثمنها، وفي ليلة التمثيل، كان البوليس، مُشاة ورُكباناً، على باب التياترو حفْظاً للنظام".
وتلفت سماط في مذكّراتها إلى وجود فرقتين عاملتين في تلك الفترة هما "جماعة المعارف" التي كان يرأسها محمود أفندي رفقي، وثانيهما جوق أبي خليل القباني وكان يقوم بأدوار البنات في كلا الجوقتين شباب من الممثلين، حيث التحقت بالفرقة الثانية وواصلت التمثيل على الخشية قرابة خمسة وعشرين عاماً.