نادرة هي الكتب التاريخية التي تحظى بعدة طبعات في تونس، في ما عدا تلك التي تقدّم التاريخ بشكل موجز ومبسّط إلى جمهور واسع، مثل "خلاصة تاريخ تونس" لـ حسن حسني عبد الوهاب، أو "تاريخ تونس" لـ الحبيب بولعراس.
منذ أيام، صدرت الطبعة الرابعة من كتاب "صالح بن يوسف: حياة كفاح" للباحث التونسي منصف الشابي عن "دار نقوش عربية" باللغة الفرنسية. يشير تعدّد الطبعات هذا إلى طلب بات يتزايد على الكتابة التاريخية في تونس، ومنها الجنس البيوغرافي وكذلك الرواية التاريخية.
لكن كتاب الشابي يحمل خصوصية أخرى تصنع طلباً حوله، وهو أنه يقدّم محاولة في كتابة نص تاريخي بعيداً عن الرواية الرسمية للدولة، وهذا التجاوز مثّل مطلباً في تونس بعد الثورة، ونجد أن عدداً من الكتّاب والمؤرّخين قد اندرجوا فيه مثل محمد علي الحباشي والصافي سعيد.
يمثّل تخصيص كتاب لصالح بن يوسف (1907 - 1961)، في حدّ ذاته، تجرّأ على الرواية الرسمية، فقد مثّل الشخصية الأساسية المعارضة لمشروع دولة الاستقلال بحسب التصوّر البورقيبي، وقد تمّت شيطنة بن يوسف طوال فترة حكم حبيب بورقيبة من 1957 إلى 1987، وصولاً إلى اغتياله في ألمانيا عام 1961.
بقيت سيرة بن يوسف - مثل مجمل تاريخ الحركة الوطنية - من المسكوت عنه حتى ثورة 2011، وإن قام نظام زين العابدين بن علي بخطوات رمزية لإعادة الاعتبار إليه بطلب رفاته من القاهرة حيث دُفن، وتكريم أسرته بعد عقود من الحصار والتضييقات.
ضمن تلك المساحة، حاول الشابي في كتابه أن ينصف بن يوسف باعتباره أحد أبرز وجوه الحركة الوطنية، بغض النظر عن مآلاتها السياسية عند الاستقلال. كما يرصد الكتاب أبرز محطاته - وكانت إلى جانب بورقيبة ورفاق آخرين من المناضلين - في إدارة المقاومة وتمثّل الوضع الدولي للدفاع عن قضية تونس في المجتمع العالمي، كما يوضّح أسباب الصراع مع البوقيبيين لاحقاً.