ظلّتِ الكتابة التاريخية محورَ اهتمام واشتغالات الباحث والمؤرّخ التونسي الراحل هشام جعيّط (1935 – 2021)، حيثُ اعتبر تقويم العمل في هذا الحقل الفكري هو المنطلق الذي تمكنُ من خلاله إعادة قراءة التاريخ العربي والإسلامي، والنظر في أحداثه ووقائعه الإشكالية، والنظر فيها على أرضية معرفية جديدة، وهذا ما ميّز أعماله طوال مشواره حتى آخر كتاب صدر له "التفكير في التاريخ، التفكير في الدين".
على مدى اليومين الماضيين 23 و24 أيلول/ سبتمبر، نظّم "المعهد العالي للغات"، بالمكنين في تونس، ندوةً بعنوان "الكتابة التاريخية وقضاياها عند هشام جعيّط" بمشاركة 32 باحثاً من "الجامعة التونسية"، بهدف تسليط الضوء على مُنجَز صاحب "الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية" (1986)، والبحث أكاديمياً في أطروحاته، مع مفتتح العام الدراسي الجديد.
انطلق المُحاضرون من نقطة إجماع، تمثّلت في الدعوة إلى ضرورة ترجمة أعمال الراحل إلى الإنكليزية، كونه كتَب ما كتب بالفرنسية، في حين كان يُشرف شخصياً على ترجمتها إلى العربية.
وتوزّعت الأوراق البحثية المُقدّمة على محاورَ أربعة هي: "حداثة الكتابة التاريخية عند جعيّط"، و"هشام جعيّط والتاريخ الإسلامي"، و"هشام جعيّط والاستشراق وسرديات الأنا والآخر"، و"هشام جعيّط وقضايا الراهن".
لفت الباحثون إلى مركزية كتاب "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" (1992) بين أعمال الراحل، وقد لعب الكتابُ دوراً شبيهاً بما قدّمه طه حُسين في "الفتنة الكبرى"، إلّا أنّ ما يميّز الأوّل هو اعتمادُه المنهجي على الوثيقة التاريخية بشكل أعمق وأكثر كشفاً من الثاني.
يُشار إلى أنّ كتاباً سيصدر عن "اتحاد الكُتّاب" في كانون الأوّل/ ديسمبر المُقبل، يضمّ الأوراق المُقدّمة في الندوة، إلى جانب ندوة "محمد العروسي المطوي". كذلك تطرّق الباحثون إلى موضوعة المدينة والبحث في أصولها العمرانية، ضمن خطّة جعيّط البحثية، التي تعدُّ التفاتةً مُبكّرة أسّست لتيّار لاحق على مستوى الأبحاث العربية الإسلامية.
الجدير بالذكر أنّ تصانيف المؤرّخ التونسي الراحل تمكنُ قراءتها في شُعَبتين موضوعيّتين هما: موضوعة التاريخ، وفيها تندرج إلى جوار الكِتابين المذكورين "الكوفة" و"الفتنة" مؤلّفات أُخرى مثل "تأسيس الغرب الإسلامي"، وثلاثية "في السيرة النبوية". وموضوعة الفكر وفيها نُطالع أعمالاً مثل "أزمة الثقافة الإسلامية"، و"أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة"، و"الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي".