رغم الأزمات والمشاغل الاجتماعية والاقتصادية التي تسبّبت وما تزال تتسبّب بها جائحة كورونا منذ بداية 2020، إلّا أن ذلك لم يؤثّر بشكل كبير على القراءة في بلدٍ مثل فرنسا تمثّل القراءة فيه ممارسة يومية أو شبه يومية لدى كثير من سكّانه، إذا ما صدّقنا الإحصاءات التي تتحدّث إحداها (أجراها معهد "إبسوس") عن أن نسبة الفرنسيين الذين يقرأون كتاباً أو أكثر كلّ عام تصل إلى 92 في المائة.
يعود هذا الرقم حول نسبة القراءة إلى عام 2019، أي إلى ما قبل الجائحة. أمّا في 2020، فقد انخفض المعدّل إلى 86 في المائة، بحسب المعهد نفسه؛ لكنّه، رغم الانخفاض، يبقى رقماً عالياً، خصوصاً إذا ما قارنّاه بالعالَم العربي الذي تُحدّثنا دراسة نشرها "المجلس الأعلى للثقافة في مصر" عام 2015، بعنوان "الكتاب والنشر"، عن أن متوسّط قراءة الفرد فيه لا يتجاوز أربع صفحات سنوياً.
أيّاً يكن، فإن تراجُع نسَب القراءة في فرنسا يشكّل موضوعاً للنقاش في عالَم الثقافة والكتاب، وهو ما دفع السلطات إلى طرح بطاقات خاصّة بالشباب تخوّلهم شراء كتُب ودخول فعاليات ثقافية بشكل مجّاني. وضمن هذه الهموم بانخفاض القراءة، تأتي أيضاً الدورة السادسة من فعالية "ليالي القراءة"، التي تنطلق يوم غد الخميس وتستمرّ حتى الأحد، الثالث والعشرين من الشهر الجاري.
تقوم "ليالي القراءة" على تنظيم مئات الفعاليات المتعلّقة بعالَم الكتاب والقراءة والثقافة في مختلف المدن والبلدات والقرى الفرنسية، انطلاقاً من مبادرات شخصية أو مؤسّساتية تدعمها وزارة الثقافة والمؤسّسات الحكومية المختصّة بتحسين وضع الكتاب والقراءة، وهي فعاليات تتوزّع بين جلسات قراءة، وورش، وندوات، وعروض أدائية، وتُقام في أماكن عمومية كالمكتبات والجامعات والمسارح، أو في الهواء الطلق، أو داخل فضاءات أهلية.
تتّخذ الدورة الحالية من ثيمة الحُبّ محوراً لها، وتشهد تنظيم عددٍ كبير من الفعاليات خلال هذه الأيام الثلاثة؛ فعلى سبيل المثال، يحتضن إقليم إيل دو فرانس، الذي تقع فيه العاصمة باريس، أكثر من 700 فعالية تتوزّع بين قراءة موسيقية ولقاءات مع كُتّاب، وقراءات تأخذ شكل الألعاب للأطفال، ومسابقات أدبية وغيرها.
من بين هذه الفعاليات، تنظّم "مكتبة محمد أركون" الحكومية، وسط باريس، جلسةً لقراءة حكايات مخصّصة للأطفال مساء الخميس، كما يقوم المكتبيّون العاملون فيها باقتراح طاولات وقائماتٍ من الكتب المتعلّقة بموضوع الحب طيلة أيام الفعالية. وفي حين تقترح "مكتبة جورج براسانس" الحكومية مدخلاً "عائلياً" إلى الفلسفة، موجّهاً إلى الأطفال، مساء السبت، فإن "معهد ثرفانتس ــ باريس" يقترح، مساء الخميس، قراءات حول الحبّ من أعمّال الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيزارنيك.