تمثّل الكتابة مفهوماً مركزياً في الفكر الحديث، وكان الاشتغال على هذا المفهوم وراء تطوير عدّة حقول معرفية مثل النقد الأدبي والسيميولوجيا والتفكيكية والفلسفة، وقد تركّز تطوّر هذا المفهوم في فرنسا في ما يعرف بالمرحلة ما بعد البنيوية.
بقي الانهماك بمسألة الكتابة يصل إلى الثقافة العربية بشكل مجزّأ، وقلّما نجد اشتغالاً مباشراً عليها، كما تندر الإضاءات الشاملة لما أُنجز في هذا الإطار، وهو التحدّي الذي يتصدّى له الباحث الجزائري محمد بكاي في كتابه "مديحُ الاختلاف: دراسات في فلسفة الكتابة وسياسات الهوية".
صدر العمل مؤخّراً في طبعة مشتركة بين "دار الرّوافد الثقافية" و"منشورات ابن النديم"، ويتضمّن ثلاثة فصول ومقدّمة حملت عنوان: "هل أتاكم حديث الاختلاف؟"، وفيها يربط المؤلّف بين الانشغال بقضايا الكتابة وظهور ما عُرف لاحقاً بفلسفات الاختلاف وتحوُّلها إلى إطار عامّ ينظّم الفكر الحديث.
حمل الفصل الأوّل عنوان "طُقوس اللاَّمُحدّد وانهيار كثيب الكِتابة"، وينطلق من تجربة "جماعة تِل كيل" الفرنسية، ومن ثمّ يركّز بكاي على تجربة الناقد مُوريس بلانشو في ثلاثة فصول حملت عناوين: "التكوين الفينومينولوجي لمفهوم المحايد"، و"فكر المُحايد بين موريس بلانشو وجاك دريدا"، و"موريس بلانشو ورولان بارت: محاورة قديمة".
أمّا الفصل الثّاني، فهو بعنوان "التّفكيك أو التفكير في القولِ العصيّ"، ويمثّل منجزُ جاك دريدا محورَه، حيث يقدّم بكاي ملامح من فكره في فصول حملت عناوين: "القراءة التفكيكية عند جاك دريدا: بين وشاية المعنى وغواية الكتابة"، و"غراماتولوجيا جاك دريدا"، و"هوامش الفلسفة التحليلية"، و"الإسلام والغرب بعيون فلسفية: لحظات متوتّرة ومسارات حرجة من منظور تفكيكية جاك دريدا".
يحمل الفصل الأخير عنوان "الفِكر والنّقد بين الإنساني والأنثوي: أقانيم المعنى وأقاليم المعاناة"، وهنا تنتفح دراسات بكاي على مدوّنات عدة: ميشيل فوكو وجوليا كريستيفا وإدوارد سعيد.