منذ انطلاق دورته الأُولى عام 1994، بات "المعرضُ الدولي للنشر والكتاب"، الذي تحتضنه مدينة الدار البيضاء على مدار عشرة أيام في شباط/ فبراير مِن كلّ عام، أبرزَ حدث ثقافي في المغرب. وككثير من التظاهُرات الثقافية، غاب المعرض العام الماضي بسبب جائحة كورونا؛ إذ توقَّف عند دورته السادسة والعشرين، التي أُقيمت سنة 2020 بمشاركة قرابة سبعمئة دار نشر من 42 بلداً.
قد تعود التظاهُرة ابتداءً من السنة الحالية، لكنْ مِن مدينة الرباط هذه المرّة؛ ففي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن وزير الثقافة المغربي المهدي بنسعيد عن نقل المعرض مِن العاصمة الاقتصادية للبلاد إلى عاصمتها الإدارية، مُبرّراً القرار بسببَين؛ أوّلُهما تحويلُ الفضاء الذي دأب على احتضان التظاهُرة في الدار البيضاء إلى مستشفى ميداني مُخصّص للمصابين بفيروس كورونا، أمّا الثاني فهو أنّ الرباط ستكون "عاصمةً للثقافة الأفريقية" و"عاصمةً للثقافة الإسلامية" خلال 2022، ما يعني إدخال معرض الكتاب ضمن الفعاليات والتظاهرات الثقافية التي ستُقام في إطار التظاهُرتَين.
وعلى الرغم من كونه إجراءً مؤقّتاً - إذ لفت بنسعيد إلى أنّ المعرض سيعود إلى مدينته الأصلية عام 2023 - فقد أثار القرار استياءً في الدار البيضاء التي يُشكّل المعرض حدثاً أساسياً فيها، بالنظر إلى الحركية الثقافية والاقتصادية التي يُحدثها خلال تنظيمه، وهي الحركية التي تراجعت لسنتَين متتاليتَين بسبب الوباء.
عُلّل قرار النقل بتحويل فضاء المعرض المعتاد إلى مستشفى ميداني
حينها، عبَّر عددٌ من المنتخبين المحلّيين في الدار البيضاء عن رفضهم ما أسموه "تهجير" التظاهُرة إلى الرباط، واصفين تبريرات الوزير بأنّها غير منطقية وغير مُقنعة، ودعوه إلى التراجُع عن القرار الذي أشاروا إلى أنّه لم يُشرك "المجلس الجماعي" و"مكتب المَعارض" في اتخاذه. وفي وقت لاحق، دخل "المجلس الجماعي" في الدار البيضاء في مفاوضات مع وزارة الثقافة والاتصال والشباب، في مُحاولةٍ لإقناع القائمين عليها بإبقاء المعرض في مدينتهم.
ويبدو أنّ هذه المحاوَلة باءت بالفشل؛ إذ نقلت وسائل إعلامية، مؤخّراً، عن منتخبين محلّيين قولهم إنّ الوزارةَ متمسّكةٌ بقرار نقل المعرض، وإنّها أعلمتهم أنّ الإبقاء عليه في الدار البيضاء غير ممكن، بسبب بدء التحضيرات لتنظيمه في الرباط.
لكن، هل سيُقام المعرض في الرباط خلال الشهر المقبل فعلاً؟ لا شيءَ مؤكَّداً إلى الآن. فعلى الرغم مِن استمرار التحضيرات لتنظيمه في منطقة السويسي بالعاصمة، فإنّ دخول البلاد في موجة جديدة من الوباء عاد ليخلط الأوراق مُجدّداً، ليبقى مصيرُ المعرض مجهولاً في ظلّ الارتفاع المتزايد بالإصابات بمتحوّر أوميكرون سريع العدوى... في انتظار قرارٍ قد تُعلن عنه سُلطات المدينة خلال الأيام القليلة المقبلة بشأن تنظيم المعرض، وقد علمت "العربي الجديد" أنّ من المرجّح أن يكون الثاني من حزيران/يونيو المقبل موعد انطلاق المعرض.
يُذكَر أنّ "منظّمة المدن والحكومات المحلية المتّحدة الأفريقية" اختارت، في 2018، مدينة مرّاكش لتكون "عاصمة للثقافة الأفريقية" لسنة 2020، لكنَّ المغرب طلب نقل التظاهُرة إلى الرباط قُبيل أيام من انطلاقها، قبل أن يُعلن تأجيلها إلى أجل غير محدَّد بسبب "عدم جاهزية" المدينة، بينما اختارت "منظّمة العالم الإسلامي"، العام الماضي، الرباطَ "عاصمةً للثقافة الإسلامية" لسنة 2022. ويبقى تنظيم التظاهُرتَين، هو الآخر، رهيناً بتطوُّرات الوضع الوبائي.