هل يمكن الحديث بشكلٍ عادلٍ عن الشعر أو الأدب العربي في ساعة من الزمان، أو تقديم صورة كافية عنهما في كتاب مُختارات؟ كثيراً ما يجد المهتمّون بالكتابة العربية في الغرب أنفسهم أمام سؤال صعبٍ وغريبٍ كهذا. سؤال تفرضه طبيعة التلقّي الغربي للأدب العربي، وربما لكلّ أدبٍ "آخَر"، حيث الميل، في الكثير من الحالات، إلى اختصار أجيالٍ، وأحياناً قرون، من التأليف والتجريب والتراكُم في حيّز ضيّق (أنطولوجيات، كتب مختارات أو أمسيات محدودة الوقت).
في جلسة "معرفة الذات: الدياسبورا والهوية من خلال الشعر العربي"، التي عُقدت عبر "زوم" مؤخراً، تتوقّف الناقدة والأكاديمية اللبنانية هدى فخر الدين، سريعاً، عند هذه المعضلة، وهي التي طُلب إليها، وكذلك إلى المترجم البحريني ـ البريطاني الشاب، علي الجمري، اختيار قائمة تضمّ شعراء عرباً كتبوا عن مواضيع تتقاطع مع ثيمة الندوة التي نظّمتها "مكتبة مانشستر للشعر".
ما الذي يمكن تقديمه عن الشعر العربي في ساعة أو ساعة ونصف؟ لا شكّ أن أيّ مقترَحٍ، في هذا الصدد، سيبدو شديد النقص والاقتطاع. لكنّ قواعد اللعبة (الوقت الذي حدّدته الجهة المنظّمة للندوة) تفرض نفسها. وهو ما دفع الجمري، بمساعدة فخر الدين، إلى اختيار عشرة أسماء: تبدأ بطرفة بن العبد، وقيس بن الملوّح، والمتنبّي، مروراً بنازك الملائكة (1923-2007) وبدر شاكر السيّاب (1926-1964)، ومن ثمّ محمود درويش (1941-2008)، وسليم بركات (1951) وقاسم حدّاد (1948)، ختاماً باسمين نسائيين من جيلين مختلفين إيمان مرسال (1966)، وأسماء عزايزة (1985).
بدأت الجلسة بمستوىً عالٍ مع معلّقة طرفة ثم تفاوتت جودة القصائ
وقد أشارت فخر الدين إلى قناعتَها بأنّ قائمةً كهذه تظلّ بعيدةً كلّ البعد عن إعطاء أيّة صورة تمثيلية عن الكتابة الشعرية العربية، قديمها وحديثها، ولا سيّما أنها "تقفز" أكثر من عشرة قرون من القصائد والدواوين، بحيث تنتقل من المتنبّي إلى نازك الملائكة بغضون دقائق. أمّا الجمري، فلم يُخفِ أنّ خياراته هذه شديدة الشخصية والخصوصية.
تناوبَ كلٌّ من فخر الدين والجمري على قراءة نصّ واحد، أو مقتطفات قصيرة تشكّل نصاً، من أعمال كلّ واحد من الشعراء والشاعرات، في حين عُرضت على الشاشة الترجمات الإنكليزية، والتي قام ببعضٍ منها كلّ من هدى فخر الدين (معلّقة طرفة، ومقتطفات لسليم بركات من ديوانه "سوريا"، الذي نقلته مع جايسن إيوين إلى الإنكليزية ويصدر بعد أيام لدى منشورات "سيغل") وعلي الجمري (نصّ "خروج رأس الحسين من المدن الخائنة" لقاسم حدّاد).
وإن بدت المختارات المقروءة في مستوىً عالٍ أوّل الأمر، حيث افتُتحت الجلسة بمعلّقةُ طرفة التي حظيتْ بتعليقات هدى فخر الدين على شعره، ومسيرته المختلفة عن أبناء زمانه، ومكانته في المدوّنة الشعرية العربية، فإنّ مستوى النصوص لم يتوقّف عن التذبذب في ما بعد، وهو أمرٌ لا تفرضه الخيارات فحسب، بل وكذلك ضيق الوقت وضرورة أن تتناول النصوص ثيمات الغُربة والمنفى والهجرة والحنين والوطن التي شكّلت محور الندوة.