لافتتاح عام دراسي جديد، هو الخامس منذ انطلاقته، نظّم "معهد الدوحة للدراسات العليا"، أوّل من أمس الإثنين، محاضرة بعنوان: "في نقد النقديين في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية: عن المعرفة والسلطة والهوية" ألقاها عبد الوهّاب الأفندي، رئيس المعهد بالوكالة، وتمحورت حول الأدبيات النقدية في العلوم الاجتماعية وتمظهراتها، مع تركيز على سِماتها وسُبل تطويرها في السياق العربي.
وقد اختار الأفندي دخول موضوعه عبر عرض موجَز لكتاب "ما بعد الثورات العربية: نحو لا مركزية نظرية الانتقال الديمقراطي"، الصادر أخيراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وهو كتابٌ جماعي وصفه بأنه "مثّل نظرة نقدية للعلوم الاجتماعية بشكل عام، والعلوم السياسية ونظريات الانتقال الديمقراطي على وجه الخصوص".
وربط الأكاديمي السوداني بين هذه النظرة النقدية وبين رسالة المعهد، ورسالة أيّ اشتغال رصين في العلوم الاجتماعية، تسعى إلى "التوفيق بين الالتزامات الأخلاقية تجاه مجتمعاتنا ومنطقتنا من جهة، وبين الصرامة العلمية في أبحاثنا من جهة أخرى"، وإلى "الموازنة بين الأخذ بالإيجابي من الرصيد العالمي للعلوم الاجتماعية والإنسانيات، وبين النضج المعرفي والمساهمة الأصيلة في تطوير هذه العلوم وإثرائها عبر دراسات متعمقة وقابلة للتعميم".
على النقد العربي للعلوم الغربية أن يكون أكثر علمية ممّا ينقده
وتوقّف صاحب "الإسلام والدولة الحديثة" عند أدبيات نقد الاستشراق، التي يسير على نهجها الكتاب الجماعي المذكور، حيث نوّه بأن هذه الأدبيات "عربية المنشأ، عالمية التأثير، للعلوم الاجتماعية والإنسانيات. إلا أن الرؤية النقدية التي تبنيناها، وتجلّت كذلك في نقد الاستشراق، تطرح تحديات كبرى ومزالق خطرة، لأنها تتحدى الرؤية العلمية الحديثة التي تطرح نفسها أساساً على أنها في الأصل نظرة نقدية تمحيصية للمعهود السائر من المعارف والعقائد. فالمناهج العلمية الحديثة تشترط الامتحان العسير لكل مزعم علمي، وعرضه على امتحانات التجريب والتمحيص. فمن أين إذن يجد المنطق النقدي نقطة ارتكاز أرخميدية خارج هذه المنظومة؟".
وعرض لمزايا وإشكالات النظرة النقدية كما تجلّت لدى مفكّري مدرسة فرانكفورت المعروفة بتوجّهها، أو عند فلاسفة مثل ميشيل فوكو وريتشارد رورتي/ من حيث ربطها المعرفة بإكراهات السلطة أو قيود الهوية، كما توقّف عند قول المفكّر العربي، عزمي بشارة، بضرورة أن يكون النقد العربي للعلوم الغربية علمياً، وليس أيديولوجياً، بل أن يكون أكثر علمية ممّا ينقده، وألا يكتفي العرب بنقد الهيمنة والتحوّل إلى عالةٍ على علم لا تنتجه إلا القوى المهيمنة.
وأشار الأفندي إلى أن هذا التحوّل يفترض ضرورة ابتكار نظريات ومناهج عربية في العلوم الاجتماعية، قد تصبح بدورها كونية ينتقدها الآخرون ويستفيدون منها ويبينون قصورها. وأنهى: "النقد الأيديولوجي مشروعٌ بالطبع، ولكن علينا ألا نسلّم بأنه النقد الوحيد المتاح للخاضعين للهيمنة".