في سيتينات القرن الماضي، برزت في أوروبا تجارب فنية حاولت تقديم وجهة نظر الفلسفة حول أهمية الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية ومكافحة تلوث المياه والهواء والاستهلاك الجائر للبيئة، من خلال تعزيز العلاقات المتبادلة بين الفن والثقافة والاستدامة.
نلمس جانباً من تلك العلاقة في معرض "نثرٌ من الجذور"، والذي افتتح أمس الثلاثاء في "دارة الفنون" بعمّان، ويتواصل حتى العشرين من حزيران/ يونيو المقبل، بمشاركة مجموعة من الفنانين وتقييم المهندسة المعمارية والباحثة رنا بيروتي.
يستند المعرض إلى مداخلات وحوارات وتأملات عقدت على نطاق محلي لتقويض وتحويل المنظومات والتفاهمات الخاصة بالقضايا الثلاثة الأكثر إلحاحًا في الأردن اليوم؛ السياسة المائية والإيكولوجيا الزراعية وممارسات البناء الاستخراجية.
يضيء المعرض السياسة المائية والإيكولوجيا الزراعية وممارسات البناء الاستخراجية في الأردن
وتقدّم الأعمال المعروضة "محاولات لفك التواريخ المعقدة التي تشكل الأزمة العالمية الحالية في الاقتصاد والايكولوجيا، ليس فقط كمحاولة للتنديد، بل أيضاً لعرض اختراقات وتحويلات وحلول، وتنظر في أشكال تقرير المصير والحكم الذاتي التي تؤديها مجتمعات محلية كرفض للنماذج الاستغلالية والاستعمارية المنمطة"، بحسب بيان المنظّمين.
ويسعى الفنانون إلى استعراض الأصوات المحلية الجماعية، وأعمال تحليلية وتأملية من قبل فنانين وعلماء أنثروبولوجيا وطهاة ومصممين ومزارعين وجامعو غذاء بري وخبازون وخبراء تغذية، وكذلك مصورون وصناع أفلام، من أجل الكشف بأساليب وتقنيات متنوعة عن خطابات في الوقت والذاكرة والاختفاء وخطابات السرقة والمحو.
يشارك في المعرض كلّ من الفنانين: عبير صيقلي، وآيلا حبري، وديما عساف، وديما دعيبس، وإيمان حرم، وحارث طبلت، وحسين الأزعط، وكرمة الطباع، وخالد البشير، وميس العزب، وملكا عبد الرزاق، وسريا غزلباش، وميرنا بامية، ونادية بسيسو، ونجود عاشور، وباولا فران، وروان بيبرس، وسارة الرشق، وسيما زريقات، وورشة تغميس، ومبادرة ذكرى.
يتناول المعرض تخطيط وإعادة توجيه النظم المعقدة والمتشعبة التي تعمل بحالة لا مرئية أو خفية تحت الأرض وتحمل بداخلها تواريخ وذكريات تستمر بتغذية واقعنا الحالي. بهذا المعنى، لا تعني "إعادة التجذير" هنا حنيناً إلى "جذورنا"، بل بناء قنوات اتصال جديدة بالأرض.
تتخلى الأعمال المقدمة عن مفاهيم "حفظ الأرض" والاستدامة، لتتبنى عمليات قابلة للتجديد والعكس وبيوفيلية فيما يتعلق ببناء موائدنا وإعادة الطبيعة البرية إلى مدننا. بذلك، يصبح جمع الغذاء البري والأخلاقي في ظل هذه الأفكار المقترحة حديثاً شكلاً من أشكال المقاومة، ويصبح الطهي والأكل أعمالاً أدائية، حيث كل وصفة بمثابة دعامة للذاكرة والتبادل الثقافيين.