تهتم سلسة "كو ساج" (ماذا أعرف؟) التي تصدرها "منشورات فرنسا الجامعية" بموضوعات أساسية تتناولها الحقول الكبرى للعلم مثل التاريخ الاقتصادي والفلسفة والنظريات السياسية وأبرز محطات تاريخ الفنون وتياراتها.
ضمن السلسلة، صدر الأسبوع الماضي كتاب "نظريات المؤامرة" للباحث الفرنسي بيير أندريه تانغييف (1946)، وهو عمل يضعنا عنوانه في مفارقة: هل يمكن بأدوات العلوم الاجتماعية دراسة هذا الموضوع المفلت؟ حيث أن العلوم عادة ما تنشغل بما هو مستقر وواضح وليس ما هو منفلت، أو هو إلى الخطأ أقرب.
لا يفوت تانغييف أن يشير منذ التقديم إلى إهمال دراسة "نظريات المؤامرة" علمياً، وفي المقابل إلى تضخّم الظاهرة، والأهم من ذلك فاعليتها، حيث ان تفسير الظواهر بنظريات المؤامرة أمر دارج في الحياة حتى لو أنكرته العلوم الإنسانية، وهو ينقد بذلك بيئة البحث التي تترك أحياناً مواضيع مؤثّرة في الواقع وتنهمك في قضايا أخرى.
يستدعي تانغييف ثلاث تخصّصات لفهم نظريات المؤامرة، هي: علم الاجتماع، والعلوم السياسية، وتاريخ الأفكار. وبهذا الخيار يفسّر أحد أسباب عدم دراسة هذا الموضوع علمياً من قبل ، حيث لا تكفي أدوات مجال معرفي واحد من الإحاطة بإشكاليات من قبيل: ما هو الهدف من اعتماد نظريات المؤامرة؟ هل يوجد مستفيد حقيقي؟ لماذا تنتشر بسهولة؟ وتحت أي شروط يحدث هذا الانتشار؟
أهم تفسير يقدّمه تانغييف هو أن نظريات المؤامرة تعبير عن حالة من عدم الرضا عن كيفية بناء وعي بالعالم، من خلال تأويلات النخب للأحداث (من السياسيين إلى الأكاديميين). يتحوّل هذا "الطلب على المعنى" إلى فخ جماعي منذ أن تتم تلبيته بشكل متسرّع.
يُذكر أن هذ الكتاب ليس الأول لتانغييف في محاولة تفسير ظواهر غير متداولة لدى الباحثين. من أعماله الأخرى: "قوة الأحكام المسبقة" (1988)، و"اللون والدم" (2002)، و"الوهم الشعبوي" (2007)، و"الخدعة الديكولونيالية" (2020).