في الآونة الأخيرة، اهتمت برشلونة، مثلها كمثل أيّة مدينة أوروبية كبيرة، في كتابة تاريخ رسمي لأهمِّ معالمها وأبنتيها الأثرية. ويمكن لأي زائرٍ للمدينة، أن يطّلع على تاريخ هذه المباني في الشوارع، وذلك من خلال مجموعة من اللافتات واللوحات والأدلة السياحية التي لا نهاية لها، والموزّعة في أرجاء المدينة.
مع ذلك، ثمّة حقبة زمنية هامّة جداً غير موجودة في تاريخ العاصمة الكتالونية وفي شوارعها، وهي فترة الوجود العربي الإسلامي فيها، لا سيّما بين عامي 718 و801. آنذاك تمكن ملك الفرنجة لودوفيكو بيو من إخراج العرب من المدينة، وصحيح أنّه بالكاد كان هناك أثرٌ يُذكر لخلافة قرطبة في شوارع برشلونة، التي دُمرت على مرِّ القرون، إلّا أنه، مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ازدهرت في شوارع المدينة، أبنية ذات طابع أندلسي مُدجن، تشبه الجواهر المخفية، وسط أبنية القرن التاسع عشر الحديثة، ذات الطراز الباريسي.
تقول المصادر التاريخية إنّ هذا النمط المعماري المدجن الجديد ظهرَ، بشكل أو بآخر، مع بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، وانتشرَ في أجزاء مختلفة من برشلونة بدوافع اقتصادية. كانت الأبنية ذات الإيماءات والطراز العربي متواجدة في المركز بشكل كبير.
ازدهرت في العاصمة الكتالونية أبنية ذات طراز أندلسي مُدجن
وقد يكون منزل "بيير ليبير"، في "جادة غارسيا"، أبرز هذه المعالم، على الرغم من عدم ذكره في أدلة المدينة التاريخية. شُيد المنزل في عام 1872، من قبل المهندس المعماري دومينيك باليت نادال، وهو يعرض وفرة من الزخارف الهندسية، والأقواس متعددة الفصوص، والنوافذ الكبيرة بأقواس حدوة الحصان.
غير أن البناء الأبرز في هذه المدينة، والذي قد يضاهي قصر الحمراء في غرناطة، هو "مبنى الحمراء" البرشلوني، الذي شيده المهندس المعماري نفسه دومينيك باليت نادال. نقلت الكثير من الأساطير عن هذا البناء. وهو حالياً تابع لبلدية برشلونة. يعدُّ البناء نسخة مصغرة عن "باحة الأسود" في قصر الحمراء النصري. تروي القصة الشعبية أن رجلاً ألمانياً، تحديداً من برلين، تزوج من امرأة غرناطية، وتعبيراً عن حبّه لها، شيّد هذه النسخة المعمارية الأندلسية وعاشا بالقصر كملكِ وأميرة.
إضافة إلى هذين المبنيين الأندلسيين، يوجد في المدينة الكتلانية أيضاً صرح آخر لا يقل روعة وأهمية عن البنائين الأولين وهو "قصر النصر"، الذي صمّمه المهندس المعماري البرشلوني خوسيه فيلاسيكا، ليكون مدخل المدينة في عام 1888، وقد استمد زخارفه وتصميمه من الطراز العربي الأندلسي، تحديداً، من الطراز المورسكي.
تبقى مدينة برشلونة، مثلها مثل أية مدينة في عصرنا، مزيجاً من الأنماط المعمارية، وفي وسط هذه الأنماط تنتشر طرز الثقافة العربية الإسلامية المعمارية خلسةً، كأنها جواهر يحتاج السائح إلى أن يطوف المدينة كلها كي يعثر عليها.