إلى أبي دائماً
أنا أيضاً
دخلت جسدَ أبي
قبلَ أنْ أكتشفَ أنَّ الآباءَ كاذبونَ هُم أيضاً
ورأيتُ إليه
كيفَ يدخلُ في جسدِ أبيه
مُسرعاً
كمثلِ أحصنةٍ صغيرةٍ على القفز.
لعشرين سنة
بحثَ والدي في جسدِ أبيه
عن مكانٍ تحتَ الجِلد
يحتملُ حدوث الأشياءِ الطارئة
سافرَ إلى ليبيا
وَفَرَّ إلى بلغاريا لشهرين
ثمَّ عادَ إلى حُجُراتِ اللّعب.
لعشرينَ سنةٍ
تلعبُ عائلتي الغمّيضةَ في ألبومات تغذّي شجرةَ العائلة
وتتركُ الأبَ وحيداً
لأنّه لا أبطالَ في قصصِ الفقراء.
نحنُ جسدانِ منكفئانِ على عزلتيهما
فمِي وشعرُ صدرِه
نائمانِ في الغاباتِ المكتفيةِ بالغاباتِ الّتي ستصنعُها
قَدَمي وذقنهُ النّاعمة
منسيّان فوقَ الأرائكِ الّتي اتخذناها للنّوم
وقتلنا النّوم.
ثلاثةُ أجسادٍ نحنُ
فمي وشعرُ صدرهِ وياقةُ قميصٍ آتيةٌ من منزلِ الجدّ
لدينا ثلاثة أرقام لنخفيها ولا نؤمن بالحظّ:
واحدٌ
أبي خارج جسد الجدّ
اثنان
أبي داخل جسد الجدّ
ثلاثة
جدّي نصفُ جسدي
وجسدي كمالهُ الآخر.
■ ■ ■
رغبات بائتة
أعلم جيداً
أن المسارح الّتي نلعب فوق حبالها وفي دورانها الخافت
وفي الصمت القليل الذي تحمله إلينا كلّ يوم
مطرّزة بستائر فارعة
تفصلُ هذين الجسدين
النّاقصين قليلاً
لكثرة ما يصنعان في المخيّلة.
وأعلم أيضاً
أنك ستغتالُ المدينة الغارقة في ضبابها
بحذاءٍ للزّينة وساعة تركها لك عشّاقٌ ثمالى
وفتحة قميصٍ مكويّ على مهَل
كي لا يتذوّق الشّبان العابرون في هذه الصحوة
الرغبات البائتة من قُبلات الأمس.
وحيداً كنت أو مع يدٍ تُرشدها إلى مواضع اللّمس
تنسى دوماً
أنه لا حمائمَ في حدائقك لترسم موتاً بطيئاً فوق أجنحتها وتُخزّنه من أجلي
لأنني معصوب العينين
ولا أؤمن بالحدْس
تنسى دوماً
أن الأطفال الذين لن نتمكّن من أن ننجبهم
في مطبخك
سيكبرون في هذه الرسائل التي أبعثها لك على دفعات
كي تتحمّلَ مرارة أن نكون اثنين في الحبّ
كي تتعلّم كيف تنتبه إلى هذا الصبيّ ذي العينينِ الخضراوين
المدهوش بوفرة
وكي تهتدي إلى كيفية إنجابه
مستعيناً بريشة وقلم "ستيلو" وورقة بيضاء تُعدّها للقسوة
تنسى دوماً
أننا لم نلتقِ لنخطّط لحيوات كاملة سنحياها بعدَ حين
لأن هذه الأيام عجلى
ولا طريقَ نقطعها معاً حتّى في خيالاتٍ حزينة
تقتلُ لنا روعة هذا البحر
وتُجبرنا على أن نحلمَ بالزّرقة.
■ ■ ■
رجلٌ بساقين صغيرتين
الرجلُ ذو السّاقين الهزيلتين سيمرّ الآن
سيعبرُ هدوءَ صفحة الماء هذه
بفستانٍ أسودَ قصير.
تلوي النوارس أعناقها
لتكتشفَ ما يخبّئه الرجل تحت فستانه
ستقول السمكة: البحر هادئٌ اليوم
سيحملُ الرجل صنّارته
ليقطفَ بضع حيوات ويعرضها في السوق أو يحنّطها في برواز
ويحبوها إلى طفله.
تتساءل المرأة العابرة: أيَنظرُ الرّجل إليّ أم أنه ينظرُ ناحيةَ البحر
أو تراه يبحث عن شيء
هل تخلقُ الأشياء حين نراها؟
العجوز الجالس تحت النّخلة
لا يُجيد لعبة الخيال
يرى سرعة الرجل
لكنّه لا يرى إلى الرجل
ينتبه إلى لون الفستان الذي يعلو ركبتيه
لكنه لا يلتفت إلى الفستان.
يمرّ رجلان آخران
يبتسمانِ لهذه النّشوة التي يفتعلها ارتداد الماء على جسدين طريّين في عزلتيهما
لهذا الغياب الذي سيتركانه صاخباً على المقعد الفارغ.
ثم يعود رجل الفستان أدراجه
هازئاً من كلّ الصوَر التي التقطتها هذه العدسات
لا شيء تحت فستانِ هذا الرّجل سوى الشّعر
يحمله من ضفّة إلى أخرى
كي تبقى أحلام السمكة طازجةً
كي لا تضيع أسئلة الفتاة
كي لا يُفلت الرجل يدَ حبيبه
وكي لا يمحو المطر المتساقط الآن برويّة
المنازل الّتي شيّدها لنا العالم على الرّمل
كي نحتفظَ ببراءةِ أن نكونَ أطفالاً
ومُصابينَ بالخيبة.
* شاعر من لبنان