تكرّست الحداثة الفنية في السودان مع إنشاء "مدرسة الخرطوم التشكيلية" عام 1960، التي كان من أهم رموزها إبراهيم الصلحي (1930)، وأحمد شيرين (1931 – 2017) وكمالا إسحق (1939) التي انشقّت عنها لاحقاً، حيث تركوا تأثيرهم الواضح من خلال تأسيس لغة بصرية جديدة تعكس هوية لدولة مستقلة حديثاً وتجمع بين التراث والتأثيرات الغربية الحديثة.
امتدّ حضور هذه المدرسة لدى العديد من الفنانين السودانيين حتى يومنا هذا، ومنهم أحمد أبو شريعة (1956) الذي تخرّج في مدرسة الفنون الجميلة في "جامعة السودان" عام 1990، وعمِل مصمماً غرافيكياً بعد دراسته عمل في العديد من شركات الدعاية والإعلان قبل أن يتفرّغ للفن.
"ناس وأشياء" عنوان معرض أبو شريعة الذي افتتح الثلاثاء الماضي في "غاليري المرخية" بالدوحة عبر موقع "آرتسي" على الشبكة العنكبوتية ويتواصل حتى الرابع من الشهر المقبل، ويضمّ خمس عشرة لوحة نفّذها باستخدام أحبار الميديا على الورق.
أقام الفنان خلال تسعينيات القرن الماضي في مركز (بايابا) للفنون في نيروبي بكينيا، قبل انتقاله إلى أوغندا والاستقرار في عاصمتها كمبالا، ما أضاف إلى تجربته من خلال الاطلاع على نماذج متعدّدة من تاريخ الفنون في الشرق الأفريقي من خلال النقوش الأثرية التي تستحضر في ممارسات بصرية معاصرة.
يعكس المعرض استلهام الفنان لقضايا الواقع والانفتاح على العمق الإنساني وتعاملاته مع ما يحيط به من أشياء، بحسب بيان المنظّمين الذي يشير إلى أن أبو شريعة "يعالج من خلال أعماله إشارات مُختلفة تهدف لمناصرة الإنسان في وسط محيط كبير من الأشياء التي يتعامل معها، وهو في ذلك يستغرق في المحلّية من أجل الوصول إلى لوحات تستطيع أن تخاطب جمهوره بلغة عالمية يفهمها الجميع ويستطيعون معايشتها رغم البعد المكاني عما يتم التعبير عنه".
تركّز اللوحات المعروضة على البيئة السودانية بتراثها ومعالمها مع اهتمام بتصوير الإنسان السوداني فاعلاً في واقعه، ومرتبطاً بتراثه وتحوّلاته الاجتماعية، حيث تظهر شخصياته المرسومة بألوان داكنة في بعض اللوحات التي قسّمها إلى مربعات وضع في كلّ واحدٍ منها وجهاً أو أحد الرموز التراثية، كما يستحضر في لوحات أخرى وجوهاً تقترب في تكوينها من الأقنعة الأفريقية القديمة التي تأثّر بها العديد من الفنانين المعاصرين، لكنه يقدّمها بشكلٍ يمنح العمل عمقاً يحيل إلى تراكم الحضارات والتاريخ في بلاده.
في تقديمه للمعرض، قال أنس قطيط المنسّق العام للغاليري: "نواصل تقديم معارضنا بصورة افتراضية دعمًا للإجراءات الاحترازية لمُواجهة فيروس كورونا"، مشيرًا إلى أنّ هذه النوعيّة من المعارض تفتح نقاشات تثري الحركة التشكيلية في ظلّ توقف المعارض الفنية وعدم التقاء الفنّانين مع جمهورهم، الأمر الذي يعكس شغف أفراد المُجتمع بالفنون التشكيليّة ويعكس صورة واضحة لذلك الأمر، مُتمثلًا في الحضور الجماهيريّ الكبير على المنصات الفنية الرقمية".